وفيه أن ما ثبت أن الانتقال فيهما من الملزوم في التصور إلى اللازم، ووجود الملزوم في التصور لا يستلزم وجود اللازم، وكأنه أشار الشارح المحقق إلى هذا حيث قال: هذا أي اقتضاء وجود الملزوم اللازم ظاهر، وإنما الإشكال في بيان اللزوم في سائر أنواع المجاز، هذا وكثيرا ما لا يتنبه لمراده، فيظن أن الإشكال في بيان اللزوم الذهني، فيعترض بأنه بعد ما بين الشارح في أوائل بحث المجاز اللزوم، فلا وجه لدعوى الإشكال هنا، وليس بشيء؛ لأن ما سبق بيانه هو اللزوم الذهني، والتنبه على وجود الملزوم اللازم الخارجي، فأين ذلك من هذا؟ !
(و) أطبقوا على (أن الاستعارة أبلغ من التشبيه؛ لأنها نوع من المجاز).
أقول: بعد وضوح كون الاستعارة مجازا، والتشبيه حقيقة ليس ذكر هذا الإطباق بعد ذكر الإطباق الأول إلا تطويلا، وإنما ذكره المفتاح لإفراده بدليل آخر، سوى الدليل المشترك بين المجازات، وهو أن التشبيه يتضمن الاعتراف بكون المشبه به أكمل من المشبه في وجه الشبه، ثم كون التشبيه حقيقة يرده ما حقق أن قولنا: زيد كالبدر عبارة عن كونه في غاية الحسن، وأن نسبة التشبيه إلى الاستعارة كنسبة الكناية إلى المجاز.
ومما يجب أن ينبه عليه أن المصنف توهم أن ما ذكره السكاكي أن للاستعارة مزية على التشبيه، فإن في التشبيه الاعتراف بنقصان المشبه عن المشبه به دون الاستعارة، يرد ما حققه الشيخ عبد القاهر؛ حيث قال: وليس السبب في كون المجاز والكناية أبلغ أن أحدا من هذه الأمور يفيد زيادة في نفس المعنى لا يفيدها خلافه، بل لأنه يفيد تأكيدا لإثبات المعنى، لا يفيد خلافه؛ إذ لا يفيد: رأيت أسدا زيد من: رأيت رجلا يساوي الأسد في الشجاعة، إنما فضيلة الأول لاشتماله على تأكيد فاته الثاني، وهكذا لا مزية للكثير الرماد على المضياف في كثرة القرى، بل لاشتماله على تأكيد فاته المضياف، مع اتحاد المقصود منهما.
ووجه الرد: أن ذلك لا يصح في الاستعارة بالنسبة إلى التشبيه، إذ رأيت أسدا يفيد شجاعة الأسد، وزيد كالأسد يفيد شجاعة دون شجاعة الأسد، ثم نصر الشيخ بأن مراده ليس السبب في كل صورة ذلك، ورفع الإيجاب الكلي لا ينافي الإيجاب الجزئي، فالسبب في كل صورة تأكيد إثبات المعنى بخلاف خلافهما.