وأما المزية في المعنى فربما تكون كما في الاستعارة والتشبيه دون غيرها ودونها وغير التشبيه كما في: رأيت أسدا، ورأيت رجلا يساويه في الشجاعة.
وقال الشارح: هذا استنباط معنى قد غلط فيه، كما هو عادته في استنباط المعاني من عبارات الشيخ لافتقارها إلى تأمل وافر، بل مراد الشيخ: أن شيئا من هذه العبارات لا يوجب ثبوت المزية في الواقع، كما ذكر هو نفسه أن الخبر لا يدل على ثبوت المعنى ونفيه، مع أنا قاطعون بأن المفهوم من الخبر أن هذا الحكم ثابت أو منفي؛ وذلك لأن الدلالة اللفظية قد تتخلف عن المدلول.
ورده السيد السند: بأن هذا معنى ركيك فاسد؛ لأن ما نفاه الشيخ حينئذ مما لا يذهب إليه وهم، حتى يدفع، فإنهما لا يوجبان ثبوت أصل الشجاعة وأصل القرى في الواقع، فكيف يتوهم إيجابهما لثبوت أصل المعنى فيه، والإنصاف أن المتبادر من كلام الشيخ ما فهمه المصنف، وأن المغلط غالط والتشنيع ساقط.
هذا ونحن نقول: لو كان المراد ما ذكره الشارح لما وفي نفي ما نفاه الشيخ لإثبات أن الأبلغية لمجرد التأكيد، فليكن لاعتبار زيادة في المفهوم، لكن الإنصاف أن مراد الشيخ ليس ما ذكره المصنف، كما أنه ليس ما ذكره الشارح، وإن كان ما ذكره المصنف أقوى، بل مراده: أن ليس للأبلغية لإفادة شيء من العبارات مزية في المعنى، دون خلافها، وإلا لم يكن المقيس عليه للحقيقة والمجاز معنى واحد، وهذا كلام حق.
والمراد بقولنا: جاءني أسد، ليس إلا المراد بزيد كالأسد، وإلا لم يكن بجعله أبلغ منه دون زيد كالحمار معنى، وإنما التفاوت بادعاء المساواة في جاءني أسد وتأكيد تلك الدعوى بجعله عين الأسد، وإنكار كون زيد أنقص، بخلاف زيد كالأسد، فإن فيه اعترافا به، وبخلاف زيد والأسد، سواء فإنه لا يؤكد دعوى التسوية والادعاء وتأكيده لا يفيد مزية في الحق، بل مجرد تأكيد ومبالغة فيه، فما يدل عليه جاءني أسد على تقدير صدقه لا يوجب ثبوت المزية في الواقع، بخلاف الخبر فإنه على تقدير صدقه يوجب ثبوت مضمونه، فبين ما ذكره في الخبر وما ذكره في هذا المقام بون بعيد.