كلام المفتاح (ولا بد فيهما من قرينة) حيث لم يشتمل كلامه إلا على اشتراط القرينة في الكناية، والحق معه في هذا التنبيه، وإن اعتمد السكاكي على اشتهار وجوب القرينة في المجاز، وخاف توهم عدم القرينة في الكناية من جواز إرادة الحقيقة، لكن باقي تصرفاته على ما ترى. وقد نبه العلّامة أيضا على مراد السكاكي؛ حيث قال في شرحه: معناه أن عبارة التعريض قد تكون مشابهة للمجاز كما في الصورة الأولى، فإنها تشبه المجاز من جهة استعمال ما للمخاطب في غير ما هي موضوعة له، وليس بمجاز؛ إذ لا يتصور فيه انتقال من ملزوم إلى لازم.
وقد يكون مشابهة للكناية كما في الصورة الثانية، فإنها تشبه الكناية من جهة استعمال اللفظ فيما هو موضوع له مرادا منه غير الموضوع له، وليس بكناية؛ إذ لا يتصور فيه لازم وملزوم، وانتقال من أحدهما إلى الآخر؛ إذ حاصل ما ذكره أن التعريض ليس بمجاز ولا كناية، وإن وقع في أثناء تقريره بعض ما لا يتضح، فتأمل.
ومما يقضي منه العجب أنه بعد ما نقل الشارح كلام الكشاف وابن الأثير في هذا المقام كيف زيف كلام العلامة بأن هذا مذهب لم يذهب إليه أحد، بل أمر لا يقبله عقل؛ لأنه يؤذي أن يكون كلام يدل على معنى دلالة صحيحة من غير أن يكون حقيقة ذلك المعنى أو مجازا أو كناية، بل الحق أن الأول مجاز، والثاني كناية، كما صرح به المصنف، وهو الذي قصده السكاكي.
وتحقيقه أن قولنا: آذيتني فستعرف كلام دال على معنى يقصد به تهديد المخاطب، فإن استعمل في تهديد المخاطب وغيره من المؤذين فكناية، وإن أردت تهديد غير المخاطب بسبب الإيذاء بعلاقة اشتراكه للمخاطب في الإيذاء إما تحقيقا، وإما فرضا وتقديرا كان مجازا.
ونعم التوضيح تمثيل السيد السند لدلالة الكلام على المعنى التعريضي بدلالة الحذف مثلا على تعظيم المحذوف أو إهانته، فإنه أفاده من غير استعمال فيه فجعل كلام الشارح مبنيا على الغفلة عن مستتبعات التراكيب.
وهنا مزيد تحقيق بقي إلى الآن في ستر الاكتنان فلا علينا أن نهب لك من