للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به، فينبغي أن يقول: ثم حذف المفعول ما لم يكن تعلق الفعل به غريبا (نحو:

فَلَوْ شاءَ) (١) أي: هدايتكم أجمعين لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ مثال لعدم الغرابة، أو لحذف فعل المشيئة، أو للحذف للبيان بعد الإبهام، وقد مر أن التفسير بعد الإبهام يوجب مزيد تقرير، وتمكين في النفس (بخلاف) الأظهر أنه متعلق بالمثال، أي: عدم غرابة التعلق، مثل: فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (٢) بخلاف (نحو) قول الخريمي (٣) في مرثية ابنه، ووصف نفسه بشدة الحزن، والصبر على مصيبته:

ولو شئت أن أبكي دما لبكيته ... عليه ولكن ساحة الصّبر أوسع (٤)

ومنها:

وأعددته ذخرا لكلّ ملمّة ... وسهم المنايا بالذّخائر مولع (٥)

فإن تعلق المشيئة ببكاء الدم غريب، فلا يصح فيه حذف مفعول المشيئة، ولا حذف مفعول مفعوله: لأنه ملبس كحذفه، فتوجه عليه أنه كيف حذف ذلك الشاعر البليغ من مفعول المشيئة في مقام غرابة التعلق به ما جعله ملبسا؟

فدفعه بقوله (وأما قوله:

فلم يبق منّي الشّوق غير تفكّري ... فلو شئت أن أبكي بكيت تفكّرا (٦)

فليس منه) أي: ليس مما تعلق فعل المشيئة فيه بمفعوله غريب، حتى يكون حذف مفعول مفعوله ملبسا؛ إذ ليس التقدير: ولو شئت أن أبكي تفكر بكيت تفكرا؛ إذ البلاغة في مقام المبالغة في أنه لم يبق فيه غير التفكر أن يقول: لو شئت البكاء بكاء أي شيء كان؛ لبكيت تفكرا، لا أن تقول: وإن شئت أن


(١) الأنعام: ١٤٩.
(٢) الأنعام: ١٤٩.
(٣) الخريمي: أبو يعقوب إسحاق بن حسان، شاعر عباسي من الموالي، والبيت من قصيدة يرثي بها أبا الهيذام عامر بن عمارة بن خريم أمير عرب الشام وقائد المضرية في الفتنة بين القيسية واليمنية أيام الرشيد.
(٤) البيت في ديوان ص ٤٣، وفي الإيضاح ص ١١٢، وفي الكامل (٣/ ٢٠٤)، وأورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٨٢.
(٥) البيت في ديوان ص ٤٣، وفي الكامل (٣/ ٢٠٤).
(٦) البيت للجوهري وهو من شعراء الصاحب بن عبّاد، ذكره صاحب الإيضاح ص ١١٢، وفي التلخيص ص ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>