أبكي تفكرا بكيت تفكرا، لا لما قال الشارح من: إنه لا يترتب على قوله: فلم يبق مني الشوق إلخ: لأن بكاء التفكر ليس سوى الأسف والكمد، والقدرة عليه لا يتوقف على أن لا يبقى فيه غير التفكر، بخلاف عدم القدرة على البكاء الحقيقي، بحيث يحصل بدل الدمع التفكر، فإنه يتوقف على أن لا يبقى فيه غير التفكر لظهور ترتبه؛ لأن بكاء التفكر، وإن لبس إلا الكمد والحزن من العين لا يمكن، إلا إذا لم يكن فيه دمع، بل لأنه كم بين المعنيين، فليس الاشتباه إلا بحمل الشعر على المعنى المرجوح، ومثله لا يكاد يليق لدفع الاشتباه، فكيف للاشتباه؟ ولا يخفى ذلك على أهل الانتباه، ولعمري حل هذا المقام، على هذا الوجه النظام؛ لحرى بأن يوصى باغتنامه الكرام، وقد حرم منه أقوام من الفحول بعد أقوام، والله يهدي من يشاء باللطف والإلهام، لكن كلام الإيضاح يشعر بأن معنى قوله: ليس منه، أنه ليس مما يصلح أن يكون الجزاء فيه تفسيرا لمفعول المشيئة، فيكون إشارة إلى ما قال الشيخ في دلائل الإعجاز، وأورده المصنف في الإيضاح؛ لتوضيح قوله (لأن المراد بالأول البكاء الحقيقي) حيث قال: لأنه لم يرد أن يقول: لو شئت أن أبكي تفكرا لبكيت تفكرا؛ بل أراد أن يقول: أفناني النحول، فلم يبق مني غير خواطر تجول في حتى لو شئت البكاء، فمريت جفوني وعصرت عيني؛ ليسيل منها دمع لم أجده، ولخرج منها بدل الدمع التفكر، فالمراد بالبكاء في الأول الحقيقي، وفي الثاني غير الحقيقي، فلا يصح تفسيرا للأول، والعجب أن الشارح مع تذكره لكلام الشيخ في هذا المقام ولما في الإيضاح؛ فسر قوله: فليس منه، بقوله، أي: مما ترك فيه حذف مفعول المشيئة بناء على غرابة تعلقها به على ما يسبق إلى الوهم، ووقع فيه صاحب الضرام، ومنهم من جعل قوله: وأما قوله: ناظرا إلى قوله: كما في فعل المشيئة، لا إلى قوله: بخلاف، وجعل المراد منه: أن حذف مفعول أبكى ليس للبيان بعد الإبهام، بل لأمر آخر؛ لأن قوله: لبكيت تفكرا، لا يصلح بيانا لمفعول أبكى؛ لأنه ليس التفكر، ولا يرده التأمل في سابق الكلام والتدبر فيه، إلا أنه ليس التفكر مما تتداوله الألسن في هذا المقام، فقول الشارح: إنه ناشئ من سوء التأمل، وقلة التدبر ليس بذلك (وإما لدفع توهم إرادة غير المراد ابتداء) إما قيد للدفع، أي: الدفع قبل حدوثه، فإن التوهم في حز اللحم إنما