للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحدث بعد سماعه، أو قيد للتوهم، أي: توهم يحدث في ابتداء الكلام، فأريد منع حدوثه، وإن كان يدفعه آخر الكلام، وبالجملة المناسب البليغ لمنع توهم إرادة غير المراد، لأن الدفع للحادث والمنع لما هو بصدد الحدوث، ومع ذكر المنع لا حاجة إلى قوله: ابتداء، فهو أخصر أيضا (كقوله) أي: البحتري [وكم ذدت] دفعت [عنّي من تحامل حادث] في الشرح: كم خبرية مميزها تحامل حادث فصل بينهما بفعل متعد، فزيد من؛ لئلا يتلبس بمفعول ذلك المتعدي؛ لأنه إذا فصل بين كم الخبرية ومميزه يكون منصوبا، لامتناع إضافته إلى التمييز، وما ذكره موافق لقول النحاة، وفيه أنه إنما يندفع به الالتباس على مذهب غير الأخفش والكوفيين، فإنهم لما جوزوا زيادة «من» مطلقا لا يعلم أنه زيد على المفعول أو التمييز، وبهذا يعلم أن الضابط لزيادة «من» ليس مجرد عدم الإيجاب، بل هو، أو كون المزيد فيه تمييزا لكم الخبرية، فصل بينه وبين كم بفعل متعد، ونحن نقول: يحتمل أن يكون كم استفهامية محذوفة المميز، أي: كم مرة أو زمانا، ويكون زيادة من في المفعول، لأن الكلام غير موجب، والاستفهام لادعاء الجهل بعدده؛ لكثرته مبالغة في الكثرة، وفيه الاستغناء عن الفصل بين كم ومميزه:

وسورة أيام حززن إلى العظم (١)

أي: قطعن اللحم إلى العظم (إذ لو ذكرنا اللحم لربما توهم قبل ذكر ما بعده) أي: ما بعد اللحم (إن الحز لم ينته إلى العظم؛ بل جاوزه في بعض اللحم)، كذا في الإيضاح ونحن نقول: التوهم فيه، إما أنه لم يبلغ العظم ولم ينته إليه بل جاوزه، وعبارة المتن يحتمله، ويحتمل أن يكون المعنى: حززن كل شيء إلى العظم من الجلد والعصب واللحم، فالحذف للتعميم (وإما لأنه أريد ذكره ثانيا) جعل الذكر ثانيا بناء على أن المقدر كالمذكور (على وجه يتضمن إيقاع الفعل على صريح لفظه) أي: على المفعول المعبر بصريح لفظه شاع التسامح بتنزيل اللفظ منزلة المعنى وبعكسه، وما ذكره لا يشمل الحذف في مثل: عرفت وعرفني زيد؛ لأنه ليس ذكره ثانيا على وجه يتضمن إيقاع الفعل على صريح


(١) البيت في الإيضاح ص ١١٢، وأورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٨٢، وفي التلخيص ص ٣٤ والمخاطب في البيت أبو الصقر ممدوح البحتري.

<<  <  ج: ص:  >  >>