للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحدهما، وليس المراد أنه يدل على تعيين الأمر أو تعيين العذاب فليتأمل.

وفهم ما ذكره كان أصعب من فهم ما ذكره المصنف، فاخترنا شرح كلامه على التأمل في حق مرامه فاعرف وأنصف.

ولا يخفى أن العقل لا يفي بتقدير الأمر أو العذاب، بل لا بد من زائد على العقل من اقتران، وغيره يعين شيئا، ثم العقل لا يدل على الحذف وتعيين المحذوف في هذا المثال يدل على أحد الأمرين، فإنه ربما يجعل تمثيلا في ظهور آيات الرب وهيئته، كما يظهر عند مجيء السلطان فلا حذف حينئذ.

(ومنها أن يدل العقل عليه والعادة على التعيين نحو: فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) (١) فإن العقل دل على أن في قوله (فيه) مضافا محذوف إذ لا معنى للوم الإنسان على ذات شخص؛ لأن اللوم للانتهاء عما لا ينبغي فهو ينبغي أن يكون مقدورا، وأما تعيين المحذوف (فإنه) بالفتح بتقدير فبانه بمعنى ملاحظة أنه (يحتمل تقدير في حبه لقوله تعالى: قَدْ شَغَفَها حُبًّا) (٢) أي: حرق شغاف قلبها (و) تقدير (في مراودته لقوله تعالى: تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ (٣) (و) تقدير (في شأنه حتى يشملهما) أي: الحب والمراودة (والعادة دلت على الثاني) أي: مراودته؛ (لأن الحب المفرط لا يلائم في صاحبه عليه في العادة لقهره إياه) أي: لغلبة الحب المفرط على صاحبه، فلا يقدر على الانتهاء، وفيه أنه ما لا يلايم عليه الشيء لا يلايم على ما يلزمه أيضا؛ لأن مغلوب الشيء مغلوب لازمه، فالأولى أن يقال: لا عيب في الحب المفرط، فلا يلام عليه، بل في المراودة فتعين تقديرها. فإن قلت: فليقدر الشأن ويصرفه بالإضافة العهدية إلى المراودة قلت: هي بعينها المراودة، والدال لا يكون معتبرا إلا في حق المعنى، وأما العبارة فموكولة إلى المخاطب فليقدر ما شاء.

(ومنها) أي: من أدلة الحذف لتعيين المحذوف (الشروع في الفعل)؛ لأن الشروع إنما يدل على أن المحذوف هو الفعل الذي شرع فيه، وأما الدلالة على


(١) يوسف: ٣٢.
(٢) يوسف: جزء من الآية: ٣٠.
(٣) يوسف: جزء من الآية: ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>