للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا وما ذكره المصنف في قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ (١) من أنه أكد إثبات البعث تأكيدا واحدا، وإن كان مما ينكر؛ لأنه لما كانت أدلته ظاهرة كان جديرا بأن لا ينكر، بل غايته أن يتردد فيه، فنزل المخاطبون منزلة المترددين فيه تنبيها على ظهور أدلته، وسيزيد رشدك بالتأمل في أجوبة رسل عيسى عليه السّلام.

وبهذا عرفت أن في بيان مقامات الإخبار ذبّا عن كلام العرب طعن الطاعن، بل اجتراء القاصر المجترئ على الكلام المعجز، وإن في قوله: وقد يخرج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر دفعا لما يكاد يعود. ونقول: نجد في مقام الإخبار من غير الجواب، ورد الإنكار أن: إن عبد الله قائم، وفي مقام رد الإنكار: عبد الله قائم (ك): إن عبد الله لقائم، وفي جواب السائل: عبد الله قائم.

فإن قلت: كيف صح اشتراط كون التأكيد على قدر الإنكار وكيف يزول به الإنكار لو لم يكن زائدا على قدره؟ قلت: إذا تعارض التأكيد والإنكار تساقطا فبقي أصل الخبر مقيدا (كما قال الله تعالى) استشهاد على وجوب التأكيد على حذو الإنكار أزيد من التردد، وعلى تفاوت مقامات الإنكار في طلب التأكيد (حكاية عن رسل عيسى) هو بولش بفتح الباء الموحدة وسكون الواو وفتح اللام والمعجمة، ويحيى، وشمعون، وهو الثالث الذي عززا به بعد تكذيبهما.

وما في الشرح أنهم: شمعون ويحيى والثالث الذي هو بولس، أو حبيب النجار غير موثوق به، كما اعترف به الشارح ونبه عليه في حاشية الكتاب: إذ كذبوا- لا يصح تعلقه بالحكاية، ولا بقال بل بمفعول بالحكاية، والتقدير حكاية عن رسل عيسى قولهم: إذ كذبوا، والمراد: إذ كذب بعضهم، كما يقال:

قتل فلانا بنو فلان، والقاتل واحد منهم، إذ المكذب في المرة الأولى اثنان، بدليل قوله تعالى إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (٢) ولحل الكلام وجه آخر للشارح المحقق، وهو أن تكذيب الاثنين تكذيب للثلاثة لاتحاد المرسل والمرسل به، يعني: أن منشأ التكذيب أنهما لا


(١) المؤمنون: ١٦.
(٢) يس: ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>