للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(إذا لاح) أي بدا (عليه شيء من أمارات الإنكار) وما يوقع في ظنه، وكذا إذا كان الحكم بعيدا عن القبول، فالتقييد تقييد بما هو أكثر (كقوله) أي قول حجل بن فضلة وهو بالفتح من أعمام النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأما حجل الشاعر بالتحريك فهو عبد لمازن [جاء شقيق] هو اسم رجل فإن كان هو المخاطب كما يستدعيه آخر البيت ففيه التفات من الخطاب إلى الغيبة على طريقة السكاكي، ففي قوله: إن بني عمك التفات متفق، وإن كان المخاطب غيره فلا التفات، بل المعتبر تقدير القول أي قلت له: إن بني عمك فيهم رماح [عارضا] أي واضعا على عرضه [رمحه] من عرض السيف على الفخذ، وهذا من طرق إظهار الشجاعة وعدم المبالاة بالخصوم، فهو لا ينكر أن في بني عمه رماحا، لكن يعمل عمل المنكرين المعتقدين أنهم ليسوا أرباب سلاح، ولا يخفى أن قوله: [إنّ بني عمّك فيهم رماح] (١) بمعنى أن فيهم رماحا يعمل كرمحك أو فوقه، وأنهم أشجع منك.

وحينئذ لا يظهر أن يكون من جعل المنكر كغير المنكر، بل لا يبعد أن ينكر وجود مثله فيهم، ويحتمل أن يكون تهكما معه أي هو ممن لو علم أن فيهم رماحا لا يحمل الرمح من خوفهم.

(والمنكر كغير المنكر إذا كان معه) المنكر (ما إن تأمله) أي تأمل فيه؛ لأن التأمل النظر في الأمر (ارتدع) عن إنكاره بأن ينتقل إلى مرتبة التردد أو خالي الذهن، ومعنى كونه معه: أن يكون معلوما له ولو بالقوة القريبة من الفعل، إذ يكفي في التنزيل ذلك، ولا يجب كونه معلوما بالفعل، وهاهنا بحث شريف نرجو أن يكون من خزائن الغيوب لا من دفائن الغيوب؛ وهو: أن الكلام حينئذ هل هو من قبيل تنزيل المنكر منزلة غيره؟ أو من قبيل جعل جامعه من قبيل المؤكد في إزالة الإنكار؟ فلا يكون على خلاف مقتضى الظاهر؟

لأن الكلام مع المنكر لا بد له من مزيل إنكار تأكيدا كان أو غيره.

واعلم أن الظاهر وقد يجعل المنكر كغيره، ولا يظهر وجه لجعل الظاهر موضع


(١) البيت لحجل بن نضلة الباهلي، وهو شاعر جاهلي والبيت في الإيضاح (٢٤)، ودلائل الإعجاز (٣٠٤)، والمصباح (٦) والبيت الذي بعده:
هل أحدث الدهر لنا ذلّة ... أم هل رنت أم شقيق سلاح
والشاهد في قوله: «إن بني عمك فيهم رماح» وهو تنزيل العالم منزلة المنكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>