لكن رحمة ربي تصرف عن الإساءة، أو ظرفا ظاهرا، وأما على تقدير كون المستثنى متصلا غير ظرف بمعنى إلا البعض الذي رحم ربي ففيه خفاء لا يدفعه ما ذكره السيد السند في حواشي شرحه على المفتاح من أنه: لا يقبله الوهم قبل الاستثناء، فتأكيد الحكم لدفع هذا الإنكار، بل هو معجب؛ لأن الحكم قبل الاستثناء مما يجب أن ينكر، فكيف يؤكد لدفع الإنكار على أنه لا حكم قبل الاستثناء فضلا عن أن يؤكد؟
وغاية ما يمكن أن يقال في توجيهه: إن إقبال الوهم لإنكار الحكم قبل الاستثناء بجعل المخاطب منكرا لما يقوله المخاطب، ومعرضا عن قوله، فالتأكيد لكلامه لا ما قبل الاستثناء لدفع إنكار تعلق به إجمالا. ومما يجب التنبيه عليه أنه قال صاحب المفتاح: إنه نزل من لا يكون سائلا منزلة السائل، فتخرج الجملة مصدرة بأن.
وقال السيد السند: تأكيد هذا النوع في الاستعمال بأن دون غيرها وكأن السر فيه كون هذه الكلمة علما للتأكيد.
وقال الشيخ عبد القاهر: إن في هذه المقامات يعني بعد الأوامر والنواهي والأحكام لتصحيح الكلام السابق والاحتجاج له وبيان وجه الفائدة، وتغنى غناء الفاء.
وقال السيد السند في شرح المفتاح: وزيف بأن هذا لجعل «إن» بمنزلة «أن» للغفلة عن أن (إن) لا تفيد السببية بنفسها، بل بحذف اللام معها، ولم يقل:
ويجعل السائل كغير السائل على طبق قوله، ويجعل المنكر كغير المنكر، لأن حكم السائل متعين بخلاف حكم غير السائل، فإنه مجمل فيه تفصيل.
وكذلك قوله:(ويجعل غير المنكر كالمنكر) أوضح من قوله: ويجعل المنكر كغير المنكر، فلذا قدمه، ولكن بقي من تفصيله جعل السائل كالخالي إذا كان معه ما إن تأمله ارتدع عن التردد، فكأنه اعتمد على سهولة معرفته بالمقايسة، ونحن سنجعله داخلا تحت قوله: وهكذا اعتبارات النفي مترقب، فإنه من فوائدنا الشريفة، وغير المنكر أعم من السائل والعالم والخالي، فكلهم يجعل كالمنكر.