للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نحو وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) (١) قالوا: أي: لا تدعني يا نوح في شأن قومك، واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك.

هذا وكأن هذا النهي لما علم منه تعالى بعلمه القديم أنه سيدعو ربه لنجاة ابنه، ويحتمل- والله أعلم- النهي عن المخاطبة في طلب العذاب لهم، كما قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (٢) يعني: لا تدعني بعد لعذابهم فإنهم قد حكم عليهم بالإغراق، وبالجملة هذا الكلام يشير إلى توجه العذاب إليهم، فتكاد النفس تلتفت إليه، ويتردد، وبعد الجزم به أيضا، يحتمل أن يتردد في أنه الإغراق، لأنه واحد من جنس العذاب، سيما وقد سبق وَاصْنَعِ الْفُلْكَ (٣) فلذلك قال إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ مؤكدا، واكتفى المصنف في تعيين الملوح بقوله: وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ولم يذكر وَاصْنَعِ الْفُلْكَ مع أنه الذي يدور عليه الانتقال إلى الإغراق إشارة إلى أن قوله وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا يكفي في التنزيل منزلة السائل؛ لأنه يكفي الإشارة إلى جنس الخبر، ولا تجب الإشارة إلى خصوصية الخبر.

فإيهام كلام الشارح حيث قال: فهذا الكلام يلوح بالخبر ما سبق من قوله:

وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا إنه قصر، حيث اقتصر على قوله وَلا تُخاطِبْنِي لأن قوله وَاصْنَعِ الْفُلْكَ من تتمته مما لا يلتفت إليه، وجعل صاحب المفتاح قوله تعالى: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ (٤) منه، وأشار إلى الفرق بينهما، وكان وجه الإشارة أن فيه تأكيدين:

أحدهما: لتنزيله منزلة الحكم المطلوب لتقديم الملوح.

وثانيهما: لأن الحكم مما يقبل الوهم على إنكاره لكمال نزاهة يوسف وطهوره، فقد اجتمع فيه التنزيلان؛ ولأن أمر النفس مما يتردد فيه السامع، وكذا كونها غاية فيه على ما تفيده صيغة المبالغة، وكون الحكم مما لا يقبله الوهم على تقدير كون النفس «نفس يوسف فقط»، أو عاما، وكون الاستثناء منقطعا. بمعنى:


(١) هود: ٣٧.
(٢) نوح: ٢٦.
(٣) هود: جزء من الآية ٣٧.
(٤) يوسف: ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>