وقوله:(إذا قدم إليه ما يلوح له بالخبر) أي ما يدعو المخاطب إلى الخبر ويجعله متوجها إليه متأملا فيه في مقدمة جار الله: لوح للكلب بالرغيف، خواندسك رابسوي نان، وفسره الشارح المحقق بالإشارة، أي ما يشير للمخاطب إلى الخبر، وما ذكرنا أظهر، مشترك بين الثلاثة؛ لأن تقديم الملوح يستدعي جعل العالم المنزل منزلة الجاهل منزلا منزلة السائل، وتقديم الملوح ربما يؤثر في المنكر فيجعله مترددا.
فقول السيد السند: إن المراد بغير السائل الخالي لأن تقديم الملوح إنما يعتبر بالقياس إلى الخالي، وأما تنزيل العالم منزلة السائل فراجع إلى تجهيله بوجه ما، وداخل فيه، وتنزبل المنكر منزلة السائل داخل في قوله: والمنكر كغير المنكر، ففيه أبحاث لا يخفى على مثلك.
ولما كان تقديم الملوح محتملا لأن يكون موجبا لإزالة التردد، وأن يكون موجبا للتردد احتاج إلى تقييده بقوله (فيستشرف له استشراف الطالب المتردد) أي بالقوة القريبة من الفعل، لا أن يصير مترددا بالفعل، وإلا لكان الكلام معه مؤكدا على مقتضى الظاهر، والاستشراف أن تنظر إلى الشيء كالمستظل من الشمس ببسط كفك فوق حاجبك، وهو متعد بنفسه، يقال: استشرف الشيء فحق العبارة فيستشرفه إلا أنه بقي في كلامه لام تقوية العمل التي في عبارة المفتاح بعد اختصاره؛ لأن عبارته هكذا، فيتركه مستشرفا له، فلما وضع «مستشرف» مكان «فتركه مستشرفا» غفل عن أن لام التقوية لا يدخل معمول الفعل متأخرا، كما يدخل معمول شبه الفعل، فبقي في كلامه، وصار مختلا، ولولا أن الاختلال بحسب العبارة أهون منه بحسب المعنى لجعلت ضمير له للملوح لا للخبر، أي: فيستشرف لأجل الملوح الخبر.
وينبغي أن يعلم أن التنزيل منزلة السائل لا يستدعي سبق الملوح بل يستدعي أن يكون معه ما يجعله في عرضة المتردد، ككون الخبر مستبعدا، أو كون المخبر متهما بالسهو أو الكذب، وكأنه خص تقديم الملوح بالذكر لكثرة وقوعه.