للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المضمر.

نحو لا رَيْبَ فِيهِ (١) ظاهره: أن المثال لما نحن فيه حتى يكون خبرا مع المنكر ترك فيه التأكيد لجعله كغير المنكر، وفيه أن الإنكار حق، لوجود كثير من المرتابين، فكيف يكون حقه التأكيد لرد الإنكار؟ وإن (لا) لنفي الجنس في النفي بمنزلة (إن) في الإثبات، صرح به أئمة النحو، فيكون فيه التأكيد، فالحق أن يعدل عن الظاهر، ويقال: إنه مثال لمجرد جعل المنكر كغير المنكر، لا لجعل المنكر للخبر الملقى كغيره، فإنه تعالى أراد إنكار المنكرين المبالغين في الإنكار أنه من عند الله، فقال: لا رَيْبَ فِيهِ تنبيها على إنكارهم كلا إنكار، وإنما غاية الأمر فيه الريب، فأتى بنفي الريب في مقام نفي الإنكار.

وقد نبه في الإيضاح (٢) على أنه لم يقصد بالتمثيل لخصوص ما فيه حيث قال: وعليه قوله تعالى في حق القرآن: لا رَيْبَ فِيهِ وإنما مثل به تنبيها على أن جعل وجود الإنكار كعدمه من المقاصد التي ربما يقصد بحاق اللفظ فيصح صحة قصده من كيفيات التراكيب، وجعله من المستتبعات كمال اتضاح، ولك أن تجعل قوله: وهكذا اعتبارات النفي حينئذ على أنه هكذا باقي اعتبارات النفي، في جعله مقصودا بالعبارة، وهذا تقرير بديع لا يخفى حقه على من له قدر رفيع، وإن غفل عنه الناظرون.

وللشارح المحقق هنا مسلك آخر سلكه السالكون، فلا علينا أن نذكره، وما أدى إليه النظر فيه، وهو أنه استشكل كونه مثالا، لما نحن فيه لوجهين:

أحدهما: أنه لا يصح نفي الريب فضلا عن أن يجب تأكيده، كما سمعت.

وثانيهما: أنه لا ريب فيه تأكيد لذلك الكتاب كما سيجيء في بحث الفصل، فهو لتأكيد الحكم ورد الإنكار، فلا يقتضي التأكيد حتى يكون ترك التأكيد خلاف مقتضى الظاهر، وأوجب لذلك العدول عن جعله مثالا إلى جعله نظيرا لما نحن فيه، في أنه جعل فيه وجود الشيء وهو الريب منزلة عدمه. وأجاب عن الأول بأن مبنى التمثيل ليس جعل وجود الإنكار كعدمه، بل توجيه الكشاف، وهو


(١) البقرة: ٢.
(٢) انظر الإيضاح ص ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>