يجوز صرفها إلى المعاني المجازية إلا لمانع شرعي أو عقلي من إرادة المعنى اللغوي الوضعي، هذا هو المعنى الذي أراده الإمام ابن القيم من عبارته تلك، وهو رجل خبير بمرامي الكلام يعرف ما يقول بكل وعي وحنكة، ذو خبرة عميقة بتذوق الكلام والتفرقة بين دلالاته ومعانيه.
في إعلام الموقعين: -
ومن يسلوره شك في هذه الحقائق فليرجع إلى كتابه "إعلام الموقعين" الجزء الأول (٢١٥) وسيرى فيه فصولاً ضافية للإمام كتبها حول طرق فهم دلالات الكلام. قسم فيه الباحثين إلى أصحاب معانٍ يسعون وراء مراد المتكلم من كلامه. وإلى اصحاب ألغاط يقفون عند ظواهر الكلام، ويقول في هذه التفرفة بين أهل المعاني وبين أهل الألفاظ "العارف يقول ماذا أراد؟ واللفظي يقول ماذا قال.."؟ إنها لعبارة حكيمة قالها هذا الإمام الحكيم الفطن وقد مهد للعبارة السابقة بعبارة غاية في الصواب، قال فيها:
"والألفاظ ليست تعبدية".
ومن تطبيقاته على هذا المنهج الحكيم قوله:"ولهذا فهمت الأمة كلها من قوله تعالى:
جميع وجوه الإنتفاع من الملبي والركوب والمسكن وغيرها" أي: ليس المراد مجرد الأكل الوارد في الآية في سياق الوعيد، بل المراد مطلق الإفناء وكأني بالإمام قد أخذ هذا المعنى عن الجاحظ إذا قال من قبل:
"يقال لهم ذلك وأن شربوا بتلك الأموال الأنبذة ولبسوا الحلل، وركبوا الدواب، ولم ينفقوا منها في الأكل درهماً واحداً".