الناس لكثرة العبث في دلالاتها، هذه الظاهرة كانت سبباً كافياً لوقوف الإمامين الجليلين: ابن تيمية وابن القيم - في وجه الفساد ليردا للغة اعتبارها. ويصونا القرآن والحديث النبوي من عبث العابثين، وألاعيب المتلاعبين. وفي غضون هذه الغضبة منهما على سوء التأويل أكرا المجاز سداً للذرائع بعد أن أسئ استعماله وبلغ الإسراف فيه حداً مخيفاً. وقد رصدنا في كتابنا "المجاز" أمثلة عديدة للإسراف وسوء التأويل وبخاصة من كتاب "فصوص الحِكَم" لابن عربي الباطني الذي اساء في كتابه هذا إلى آيات القرآن الحكيم إساءة لم يسبق لها مثيل، بل ولم يلحق بها مثيل حتى الأن.
هذا ما نعتقده تبرئة للإماميت الجليلين من الإتهام بالتناقض في إنكار المجاز مرة، والإقرار به مرات وهذا ليس بمنكر في أعمال الأئمة الأعلام في شتى المجالات. فالإمام عبد القاهر الجرجاني تراه مرة يرفع من شأن المعاني على الألفاظ، وأخرى يمتدح الألفاظ وينصرها على المعاني. وثالثة يسوَّي بينهما.
وقد فُسَّر موقفه هذا بأنه حين أنتصر للمعاني على الألفاظ كان يرد على مَنْ جعلوا المزية للفظ وبالغوا في قيمته وحافوا على المعنى، وحين أنتصر للفظ على المعاني كان يواجه المغالين في قيمة المعاني، الحائفين على الألفاظ. أما حين سوَّى بين المعاني والألفاظ فإنه كان يبدي رأيه الخالص في هذه القضية التي شغلت مساحة طويلة عريضة عند النقاد القدماء. فما أشبه موقف الإمامين بهذا الموقف الذي وقفه الجرجاني في كتابه دلائل الإعجاز.