بنقدهم أن بعض أسانيدهما خارجة عن الدرجة العليا من الصحة، التي التزمها الشيخان، لم يريدوا أنها أحاديث ضعيفة قط.
ومِنَ الغريب أن هذا الحديث بعينه -حديث الذباب- لم يكن مما استدركه أحد من أئمة الحديث على البخاريّ. بل هو عندهم جميعًا مما جاء على شرطه في أعلى درجات الصحة.
ومِنَ الغريب أيضًا أن هؤلاء الذين حملوا على أبي هريرة، على علم كثير منهم بالسنة وسعة اطلاعهم - رحمهم الله -، غفلوا أو تغافلوا عن أن أبا هريرة - رضي الله عنه - لم ينفرد بروايته، بل رواه أبو سعيد الخدري أيضًا عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، عند أحمد في "المسند"(١١٢٠٧، ١١٦٦٦)، والنسائي (٢/ ١٩٣)، وابن ماجه (٢/ ١٨٥)، والبيهقي (١/ ٢٥٣)، بأسانيد صحاح. ورواه أنس بنُ مالك أيضًا، كما ذكر الهيثميُّ في "مجمع الزوائد"(٥/ ٣٨)، وقال: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح، ورواه الطبرانُّي في "الأوسط". اهـ. وذكره الحافظ في "الفتح"(١٠/ ٢١٣)، وقال: أخرجه البزار، ورجاله ثقات. اهـ.
فأبو هريرة لم ينفرد برواية هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه انفرد بالحمل عليه منهم، بما غفلوا أنه رواه اثنان غيره من الصحابة.
والحق أنه لم يعجبهم هذا الحديث، لا وقر في نفوسهم من أنه ينافي المكتشفات الحديثة، من المكروبات ونحوها. وعصمهم إيمانهم عن أن يجرؤا على المقام الأسمى، فاستضعفوا أبا هريرة.
والحق أيضًا أنهم آمنوا بهذه المكتشفات الحديثة أكثر من إيمانهم بالغيب، ولكنهم لا يُصرِّحون! ثم اختطوا لأنفسهم خطة عجيبة: أن يقدموها على كل شيء،