فيهم أنهم من جنس محدثي زماننا، حاشا وكلا، فما منهم من أحد إلا وهو بصير بالدين، عالم بسبيل النجاة. فإني أحسبك لفرط هواك تقول بلسان الحال، إنْ أعوَزك المقالُ: مَنِ المزي؟ ومن العراقي؟ وأي شيء الذهبي؟ وأيش ابن حجر؟ هؤلاء محدثون، ولا يدرون الفقهَ وأصولَهُ، ولا يفقهون الرأي ولا علم لهم بالبيان والمعاني والدقائق، ولا خبرة لهم بالبرهان والمنطق ولا يعرفون الله تعالى بالدليل ولا هم من فقهاء الملة.
فأمسك عليك لسانك، وليسَعْك بيتُك. وابك على ما أخطأت فيه فإن العلم النافع ما جاء إلا عن أمثال هؤلاء، وإنما يَعرِفُ الفضلَ لأهل الفضلِ ذوو الفضل. فمن اتقى الله راقب الله واعترف بنقصه.
ومن تكلَّم بالجاه أو بالجهل فأَعْرِض عنه، وذَرْه في غيِّه، فإنما عُقباه وبال.
فرحم الله امرءًا أقبل على شأنه وقصر مِنْ لسانه، وأقبلَ على تلاوة قرآنه وبكى على زمانه وأَدْمَنَ النظر في الصحيح، وعَبَدَ الله قبل أن يبغتَهُ الأجلُ.
اللهم فوفِّق وارحم. أمَّا كون الواحد منهم أخطأ في مسألة أو أكثر، فَسَمِّ لي أنت مَنْ كانت له العصمة بعد النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فلا لوم على مَنْ درس الأصول، فصوابه مشكور، وخطؤه مغفور، وهو على كل حال مأجور. إنما اللوم والتوبيخ على الذين لا فقه عندهم، ولا تعبوا في تحصيل العلوم ولا النظر فيها إذ يخطئون الأئمة، ويتبعون توهيم بعضهم لبعض في مسائل، فيجمعون ذلك، ويحفظونه، ثم يلقونه على مَنْ لا عِلم عندهم بل ولا أدب لديهم. فلا يعرفُ عن النووي إلا أنه أخطأ في كذا وكذا. فإذا ذُكِرَ أمامه، قال: وأيُّ شيءٍ النووي؟! لقد أخطأ في كذا وكذا، فهم رجالٌ ونحن رجالٌ!
فيا أخي: راقب الله فيما تقول وترحّم على مَنْ ذُكِرَ منهم، وإياك والفتوى