وقال الخطيبُ في تاريخه ٣/ ٤١٥:"صنَّف حديث الزهريّ وجوَّده".
فينبغي أنْ يُقدَّم كلامُ مَنْ هذا وصفُهُ على كلام غيره، فيما يتعلق بمرويات الزهريّ، ما لم يظهر أنَّهُ غلطَ فيه بدلائلَ راجحةٍ.
فكيف يُقالُ في مثله مع هذه العناية:"كان بابُهُ السلامة" التي تشي بالتساهل وقلَّةِ النَّظر؟.
الثاني: أنَّ أبان بنَ عثمان كان قاضيًا لعُمر بنِ عبد العزيز، كما أنَّ الزهريَّ هو أوَّلُ من جَمَعَ حديثَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بأمر عُمر بنِ عبد العزيز، وهما جميعًا أبناءُ مدينة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فكيف يُقال في مثل هذه المعاصرة البيِّنَة: أن الزهريَّ لم يسمع من أبان بن عثمان؟ مع أن أبا حاتم قال -كما في العلل ١٦٠٧ - :"سليمان ابنُ عبد الرحمن الدمشقيّ ثقةٌ، وعبيد بنُ فيروز جزريٌّ لا بأس به، فيُشبهُ أن يكون زيد ابنُ أبي أنيسة سمع مِن عبيد بنِ فيروز، لأنه من أهل بلدِهِ". انتهى.
فأنتَ ترى أنَّ أبا حاتم ليس في يده دليلٌ على أن زيد بنَ أبي أنيسة سمع من عبيد ابن فيروز سوى سكنى البلد الواحد، فَلِمَ لا يقال مثلُهُ في سماع الزهريّ مِن أبان ابنِ عثمان وكلاهما مدنيٌّ؟! وانظر ما تقدم برقم ١٦٥٥.
أمَّا قول الزهريّ:"بلغني عن أبان" فأيُّ شيءٍ فيه؟ وهل كلُّ حديث الزهريُّ عن أبان قال فيه:"بلغني" فقد يُحمل هذا على حديث بعينِهِ، أو قد يُحمل على اختلاف الرواة عليه، إلى غير ذلك من الأسباب.
وقد يروي الشيخُ بلاغًا عمَّن سمعَ منه أحاديث.
الثالث: أنَّ وجهَ الشبهِ بعيدٌ بين رواية الزهري عن أبان، ورواية حبيب بن أبي ثابت عن عُروة، فإنَّ حبيب بنَ أبي ثابت كوفيٌّ، وعُروة بنُ الزبير مدنيٌّ، بخلاف الزهري