إنما نزلَ أوَّلَ ما نزلَ منه: سورة مِن المُفَصِّل فيها ذِكرُ الجنة والنار. حتى إذا ثابَ الناسُ إلى الإسلام نَزَلَ الحلالُ والحرامُ. ولو نزل أولَّ شيءٍ لا تشربوا الخمرَ لقالوا: لا ندَعُ الخمرَ أبدًا. ولو نزلَ لا تزنُوا لقالوا: لا ندعُ الزِّنا أبدًا. لقد نزلَ بمكةَ على محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وإني لجارِيةٌ ألعبُ:{بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}[القمر / ٤٦]. وما نزلت سورةُ البقرةِ والنِّساءِ إلا وأنا عندَه. قال: فأخرجتَ له المصحفَ، فأَمْلَتْ عليه آيَ السُّوَرِ. لفظ البخاري.
قال الحافظ في الفتح ٩/ ٣٩ - ٤٠:
قال ابنُ بطال: لا نعلم أحدًا قال بوجوب ترتيب السور في القراءة لا داخل الصلاة ولا خارجها. بل يجوز أن يقرأ الكهفَ قبل البقرةِ، والحجَ قبل الكهف مثلًا. وأمَّا ما جاء عن السلف من النهي عن قراءة القرآن منكوسًا، فالمراد به أن يقرأ مِن آخر السورةِ إلى أوَّلها، وكان جماعةٌ يصنعون ذلك في القصيدة من الشعر مبالغةً في حفظها وتذليلا للسانه في سردها، لمنع السلف ذلك في القرآن فهو حرام فيه.
وقال القاضي عياض في شرح حديث حذيفة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في صلاته في الليل بسورة النساء قبل آل عمران: هو كذلك فى مصحف أُبَيّ بنِ كعب، وفيه حجةٌ لِمَن يقول أن ترتيب السور اجتهاد وليس بتوقيف مِنَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو قول جمهور العلماء واختاره القاضي الباقلاني، قال: وترتيب السور ليس بواجب في التلاوة، ولا في الصلاة، ولا في الدرس، ولا في التعليم، فلذلك اختلفت المصاحف، فلما كُتِب مصحف عثمان رتَّبُوه على ما هو عليه الأن، فلذلك اختلف ترتيبُ مصاحف