وقد رفع اللَّه تبارك وتعالى الحرج على الأعمى فقال {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} فى مكانين من كتاب اللَّه الكريم. ولا معارضة بين الحديث الذى نحن بسياق بحثه وحديث عتبان بن مالك لأن الأمر فى حق الأعمى بإجابة النداء يكون أمر إرشاد إلى الأفضل متى تيسر له حتى لا يتخذ الصلاة فى البيت قاعدة ولذلك أطلق له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الرخصة أولًا. وأما ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث ابن أم مكتوم قال: قلت يا رسول اللَّه أنا ضرير شاسع الدار ولى قائد لا يلائمنى فهل تجد فى رخصة أن أصلى فى بيتى؟ قال أتسمع النداء؟ قال: نعم قال: ما أجد لك رخصة. فقد أشار الشوكانى فى نيل الأوطار إلى أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد علم منه أنه يمشى بلا قائد لحذقه وذكائه كما هو مشاهد فى بعض العميان إذ يمشى بلا قائد لا سيما إذا كان يعرف المكان قبل العمى أو بتكرر المشى إليه استغنى عن القائد ولا بد من هذا التأويل لقوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} وفى أمر الأعمى بحضور الجماعة مع عدم القائد ومع شكايته من كثرة السباع والهوام فى طريقه غاية الحرج اهـ. قلت: وفى التقييد بالإجابة على سماع النداء ما يشعر بأن الأمر يختلف باختلاف المؤذنين والسامعين فقد يسمع البعيد النداء ولا يسمعه القريب. ولا شك أن هذا الحديث مشعر بوجوب الجماعة.