[قصة سيدنا موسى عليه السلام]
[في البقرة والأعراف]
إن قصة سيدنا موسى في البقرة والأعراف تشتركان في قسم من المواطن وتختلفان في الكثير. ففي سورة الأعراف يذكر أموراً لا يذكرها في البقرة، كما يذكر أموراً في البقرة لا يذكرها في الأعراف.
وقد اخترنا نموذجاً من المواقف المتشابهة لنبين الحشد الفني فيه.
قال تعالى في سورة البقرة:
{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا ولاكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا ادخلوا هاذه القرية فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وادخلوا الباب سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خطاياكم وَسَنَزِيدُ المحسنين * فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السمآء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ * وَإِذِ استسقى موسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضرب بِّعَصَاكَ الحجر فانفجرت مِنْهُ اثنتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ واشربوا مِن رِّزْقِ الله وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ} .
***
وقال في سرة الأعراف:
{وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ * وَقَطَّعْنَاهُمُ اثنتي عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى إِذِ استسقاه قَوْمُهُ أَنِ اضرب بِّعَصَاكَ الحجر فانبجست مِنْهُ اثنتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الغمام وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ المن والسلوى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا ولاكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسكنوا هاذه القرية وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وادخلوا الباب سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خطيائاتكم سَنَزِيدُ المحسنين * فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ السمآء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ} .
والآن انظر الفروق التعبيرية بين الموطنين
في البقرة في الأعراف
ــ
وإذ قلنا وإذ قيل لهم.
ادخلوا اسكنوا
فكلوا وكلوا
رغداً -
وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً
نغفر لكم خطاياكم نغفر لكم خطيئاتكم
وسنزيد سنزيد
الذين ظلموا الذين ظلموا منهم
فأنزلنا فأرسلنا
على الذين ظلموا عليهم
يفسقون يظلمون
وإذا استسقى موسى لقومه إذ استسقاه قومه
فقلنا اضرب وأوحينا إلى موسى.. أن اضرب
فانفجرت فانبجست.
كلوا وشربوا من رزق الله -
فما سر هذا الاختلاف؟
إن سر الاختلاف يتضح من الاطلاع على سياق الآيات في السورتين، فسياق هذه الآيات في سورة البقرة هو تعداد النعم التي أنعمها الله على بني إسرائيل، ويبدأ الكلام معهم بقوله: {يابني إِسْرَائِيلَ اذكروا نِعْمَتِي التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين} . ثم يأخذ بسرد النعم عليم ويذكرهم.
أما في سورة الأعراف فالمقام مقام تقريع وتأنيب فإن بني إسرائيل قوم لا يتعظون فإنهم بعدما أنجاهم من البحر وأغرق آل فرعون طلبوا من موسى أن يجعل لهم أصناماً يعبدونها. وعندما ذهب موسى لميقات ربه عبدوا العجل. وإنهم كانوا ينتهكون محارم الله فقد طلب الله منهم أن يعظموا حرمة السبت فانتهكوها وأخذوا يصطادون الحيتان فيه إلى غير ذلك.
فالفرق واضح بين السياقين فناسب يبن كل تعبير والمقام الذي ورد فيه وانظر إلى توضيح ذلك.
قال تعالى في سورة البقرة: (وإذ قلنا) فأسند الرب القول إلى نفسه وقال في سورة الأعراف: (وإذ قيل لهم) ببناء الفعل للمجهول.
والقرآن الكريم يسند الفعل إلى الله سبحانه في مقام التشريف والتكريم ومقام الخير العام والتفضل بخلاف الشر والسوء فإنه لا يذكر فيه نفسه تنزيهاً له عن فعل الشر وإرادة السوء. فإنه مثلاً عندما يذكر النعم ينسبها إليه لأن النعمة خير وتفضل منه. قال تعالى: {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: ٣] . وقال {قَدْ أَنْعَمَ الله عَلَيَّ} [النساء: ٧٢] وقال: {فأولائك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين} [النساء: ٦٩] وقال: {وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشر كَانَ يَئُوساً} [الإسراء: ٨٣] . ففي النعمة أظهر نفسه فقال: (أنعمنا) وفي الشر قال: (وإذ مسه الشر) ولم يقل (مسسناه بالشر) أو (أصبناه بالشر) . قوال: {صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم وَلاَ الضآلين} [الفاتحة: ٧] وقال: {إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} [الزخرف: ٥٩] وقال على لسان سيدنا إبراهيم: {الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * والذي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: ٧٨-٨٠] . فأنت ترى أنه نسب الخير إلى ربه فقال: {والذي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} [الشعراء: ٧٩] ونسب السوء إلى نفسه فقال: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: ٨٠] ولم يقل (وإذا أمرضني) فنسب المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله تعالى.
وقال: {وَأَنَّا لاَ ندري أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرض أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} [الجن: ١٠] فبنى إرادة الشر للمجهول (أَشَرٌّ أُريدَ) ونسب الخير والرشد إلى الرب (أراد بم ربهم رشداً) .
ومن ذلك ما جاء فيه في قصة موسى والرجل الصالح، قال: {أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي البحر فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً * وَأَمَّا الغلام فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً * وَأَمَّا الجدار فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي المدينة وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً} [الكهف: ٧٩-٨٢] .
فقال في خرق السفينة: {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف: ٧٩] وقال في قتل الغلام: {فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا} [الكهف: ٨١] وقال في إقامة الجدار: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا} [الكهف: ٨٢] . فإنه في خرق السفينة نسب العيب إلى نفسه ولم ينسبه إلى الله تعالى تنزيهاً له فقال: {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف: ٧٩] . أما في قتل الغلام فجاء بالضمير مشتركاً لأن العمل مشترك، فإن فيه قتل غلام وهو في ظاهر الأمر سوء، وإبدال خير منه وهو خير، فجاء بالضمير المشترك للعمل المشترك ثم قال: {فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ} [الكهف: ٨١] فأسند الإبدال إلى الله وحده.
وأما إقامة الجدار فَعملٌ كله خير فأسنده إلى الله سبحانه فقال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا} [الكهف: ٨٢] .
ومن ذلك قوله تعالى: {ولاكن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر والفسوق والعصيان} [الحجرات: ٧] فأسند تزيين الإيمان في القلوب إلى ذاته سبحانه. وقال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات مِنَ النساء والبنين والقناطير المقنطرة مِنَ الذهب والفضة} [آل عمران: ١٤] فبنى تزيين حب الشهوات للمجهول ولم ينسبه إلى نفسه. وقال: {إِنَّا زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِزِينَةٍ الكواكب} [لصافات: ٦] وقال: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السمآء الدنيا بمصابيح} [الملك: ٥] وقال: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السماء بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} [الحجر: ١٦] فأسند هذا التزيين الحسن إلى ذاته.
وقال: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الحياة الدنيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الذين آمَنُواْ} . وقال: {بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السبيل} [الرعد: ٣٣] . وقال: {كَذَلِكَ زُيِّنَ للكافرين مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: ١٢٢] . وقال: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} [فاطر: ٨] . وقال: {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سواء عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السبيل} [غافر: ٣٧] وقال: {زُيِّنَ لَهُمْ سواء أَعْمَالِهِمْ والله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين} [التوبة: ٣٧] . وقال: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرسول والمؤمنون إلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} [الفتح: ١٢] .
فأنت ترى أنه ينسب تزيين الخير إلى نفسه بخلاف تزيين السوء. إنك قد تجد مثل قوله: {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} [النمل: ٤] ولكن لا تجد: (زينا لهم سوء أعمالهم) فإن الله لا ينسب السوء إلى نفسه.
ومن هذا الباب ما تراه في القرآن الكريم في الكلام على الذين أوتوا الكتاب، فإنه على العموم إذا كان المقام مقامَ مدح وثناء، أظهر ذاته ونسب إيتاء الكتاب إلى نفسه: {آتَيْنَاهُمُ الكتاب} وإذا كان المقام مقام ذم وتقريع قال: (أوتوا الكتاب) . ومن ذلك على سبيل المثال قوله تعالى: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب والفرقان لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} وقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بني إِسْرَائِيلَ الكتاب والحكم والنبوة وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطيبات وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى العالمين} [الجاثية: ١٦] وقوله: {الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} وقوله: {الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ} [الأنعام: ٢٠] وقوله: {والذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بالحق} [الأنعام: ١١٤] وقوله: {أولائك الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب والحكم والنبوة} [الأنعام: ٨٩] وقوله: {والذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ} [الرعد: ٣٦] وقوله: {الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يتلى عَلَيْهِمْ قالوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الحق مِن رَّبِّنَآ} [القصص: ٥٢-٥٣] وقوله: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب فالذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يُؤْمِنُونَ بِهِ} [العنكبوت: ٤٧] وقوله: {فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إبراهيم الكتاب والحكمة وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً} [النساء: ٥٤] .
فأنت ترى أنه أسند الإيتاء إلى نفسه في مقام المدح والثناء في حين قال: {نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب كتاب الله وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ} وقال: {وَإِنَّ الذين أُوتُواْ الكتاب لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحق مِن رَّبِّهِمْ وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ * وَلَئِنْ أَتَيْتَ الذين أُوتُواْ الكتاب بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ} . فهو في مقام ذم لهم لأنهم يعلمون الحق ثم يروغون عنه.
وقال: {وَمَا اختلف الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ العلم بَغْياً بَيْنَهُمْ} [آل عمران: ١٩] .
وقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الكتاب يُدْعَوْنَ إلى كِتَابِ الله لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يتولى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ} [آل عمران: ٢٣] .
وقال: {ياأيها الذين آمنوا إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران: ١٠٠] .
وقال: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الذين أشركوا أَذًى كَثِيراً} [آل عمران: ١٨٦] .
وقال: {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الذين أُوتُواْ الكتاب لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ واشتروا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} [آل عمران: ١٨٧] .
وقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الكتاب يَشْتَرُونَ الضلالة وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السبيل} [النساء: ٤٤] .
وقال: {يَا أَيُّهَآ الذين أُوتُواْ الكتاب آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا على أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أصحاب السبت} [النساء: ٤٧] .
وقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الكتاب يُؤْمِنُونَ بالجبت والطاغوت وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هؤلاء أهدى مِنَ الذين آمَنُواْ سَبِيلاً} [النساء: ٥١] .
وقال: {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الذين اتخذوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ والكفار أَوْلِيَآءَ} [المائدة: ٥٧] .
وقال: {قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الآخر وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحق مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] .
وقال: {وَلاَ يَكُونُواْ كالذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمد فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: ١٦] . وغير ذلك من الآيات.
فأنت ترى أنه في مقام الذم يبني فِعْلَ الإيتاء للمجهول.
ومن هذا الباب قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا التي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحسنى على بني إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ} .
وقوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: ٣٢] .
وقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الهدى وَأَوْرَثْنَا بني إِسْرَائِيلَ الكتاب * هُدًى وذكرى لأُوْلِي الألباب} [غافر: ٥٣-٥٤] . بإسناد الفعل إلى ذاته في مقام المدح.
في حين قال: {وَإِنَّ الذين أُورِثُواْ الكتاب مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} [الشورى: ١٤] .
وقال: {مَثَلُ الذين حُمِّلُواْ التوراة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة: ٥] في مقام الذم.
فأنت ترى أن الله سبحانه يذكر ذاته في الخير العام وينسبه إلى نفسه، بخلاف الشر والسوء.
فبنى القول للمجهول في الأعراف ولم يظهر الرب نفسه لأنهم هنا لا يستحقون هذا التشريف، وهو نحو قوله تعالى: (آتيناهم الكتاب) و (أوتوا الكتاب) .
وقال في سورة البقرة: {ادخلوا هاذه القرية فَكُلُواْ} أي: أن الأكل يكون عقب الدخول، لأن الفاء تفيد التعقيب، أي: بمجرد دخولكم تأكلون توّاً. وأما في سورة الأعراف فقال: {اسكنوا هاذه القرية وَكُلُواْ} فالأكل لا يكون إلا بعد السكن والاستقرار وليس بعد الدخول.
ثم لاحظ الفرق أيضاً فقد قال في سورة البقرة: (فكلوا) أي: أن الأكل يكون بعد الدخول توّاً ولم يأت بالفاء في الأعراف وإنما جاء بالواو ليفيد أنه ليس هناك من تعقيب، وأن الأكل سيحصل مع السكن ليس موقوتاً بزمن.
وفرق كبير بين الأمرين فهماكما تقول لشخص: أنت بمجرد دخولك يجيئك الأكل، أو تقول له: اذهب واسكن وإن الأكل يأتيك (غير محدد بزمن) .
وقد تقول: إنك جعلت الواو مع السكن أكرم من الفاء في قصة آدم في البقرة والأعراف، فلماذا جعلت الفاء ههنا أكرم؟
والجواب: أن الأمر مختلف، ذلك أن قصة آدم ذكرت السكن في السورتين. قال تعالى في البقرة: {وَقُلْنَا يَآءَادَمُ اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة وَكُلاَ} . وقال في الأعراف: {وَيَآءَادَمُ اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة فَكُلاَ} .
أما في قصة موسى فقد ذكرت الفاء مع الدخول والواو مع السكن. قال تعالى في البقرة: {وَإِذْ قُلْنَا ادخلوا هاذه القرية فَكُلُواْ مِنْهَا} . وقال في الأعراف: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسكنوا هاذه القرية وَكُلُواْ مِنْهَا} . فالأمر مختلف وذلك أن الأكل في الأولى بعد الدخول، وفي الثانية مع السكن، فقال في البقرة: إنّ الأكل واقع في عقب الدخول، فإذا دختلم أكلتم فوراً من كل مكان شئتم رغداً. وقد جعله في الأعراف مع السكن والاستقرار ولم يحدد لهم الوقت. والدخول غير السكن لأن السكن لا يكون إلا بعد الدخول، فجعل الطعام في البقرة مُهَيَّأ قبل السكن والاستقرار. وفي الأعراف مع السكن بلا تعقيب، فقد يطول الزمن وقد يقصر، فكان الموقف في البقرة أكرم وأفضل.
وقال في سورة البقرة: (رغداً) لأنه مناسب لتعداد النعم ولم يقل: (رغداً) في سورة الأعراف لأن المقام تقريع وتأنيب وأنهم لا يستحقون رغد العيش.
ثم انظر إلى تناظر هذه القصة مع قصة آدم فقد قال في قصة آدم: (رغداً) في البقرة دون الأعراف، نظير ما فعل في قصة موسى، لأن جو البقرة جو تكريم لآدم وتكريم لذريته من بني إسرائيل، في حين كان الجو في الأعراف جو عقوبات وتأنيب فلم يذكر الرغد في القصتين.
فانظر هذه الدقة في مراعاة جو السورة.
ثم انظر من ناحية أخرى كيف قدّم (الرغد) في الجنة وأَخَّره في الدنيا، فقال في الجنة: {وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا} وقال في الدنيا: {فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً} لأن الرغد في الدنيا قليل.
ومن ناحية أخرى إنه لو وضعهما موضعاً واحداً لكان المعنى أنهما متساويان في الرغد، وهذا بعيد فإنه ليس من المقعول أن تتساوى الجنة والدنيا الدنيّة في الرغد. كما أن فيه إشارة أن رغد الجنة مقدم على رغد الدنيا، فليعمل العاملون لنيل ذلك الرغد أولاً. فانظر هذا التأليف العجيب.
وقدّم السجود في سورة البقرة على القول فقال: {وادخلوا الباب سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ} لسبيين والله أعلم:
الأول: لأن السجود أشرف من القول لأنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فناسب مقام التكريم.
الثاني: لأن السياق يقتضي ذلك، فقد جاءت هذه القصة في عقب الأمر بالصلاة قال تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصلاوة وَآتُواْ الزكاوة واركعوا مَعَ الراكعين * أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكتاب أَفَلاَ تَعْقِلُونَ *واستعينوا بالصبر والصلاوة وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين * الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم ملاقوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجعون * يابني إِسْرَائِيلَ اذكروا نِعْمَتِي التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين} .
فناسب ههنا تقديم السجود لاتصاله بالصلاة والركوع، وكلا الأمرين مرفوع في سورة الأعراف فأخّر السجود.
وقال في سورة البقرة: {نَّغْفِرْ لَكُمْ خطاياكم} بجمع الكثرة لأن الخطايا جمع كثرة، وهو مناسب لمقام تعداد النعم والتكريم، أي: مهما كانت خطاياكم كثيرة فإن نغفرها لكم. وقال في سورة الأعراف: (خطيئاتكم) بجمع القلة لأن الجمع السالم يفيد القلة، أي: يغفر لهم خطيئاتٍ قليلة، وهو مناسب لمقام التقريع والتأنيب.
وقال في سورة البقرة: (وسنزيد) فجاء بالواو الدالة على الاهتمام والتنويع، ولم يجىء بها في سورة الأعراف والسبب واضح.
وقال في سورة البقرة: {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً} .
وقال في سورة الأعراف: {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} وذلك لأنه سبق هذا القول في هذه السورة قوله تعالى: {وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} . أي: ليسوا جميعاً على هذه الشاكلة من السوء، فناسب هذا التبعيض التبعيض في الآية السابقة.
جاء في (التفسير الكبير) : "قال الله تعالى في سور البقرة: {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً} وفي الأعراف: {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} فما الفائدة في زيادة كلمة (منهم) في الأعراف؟
الجواب: سبب زيادة هذه اللفظة في سورة الأعراف أن أول القصة ههنا مبني على التخصيص بلفظ (من) لأنه تعالى قال: {وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} فذكر أن منهم من يفعل ذلك، ثم عَدَّدَ صنوف إنعامه عليهم وأوامره لهم. فلما انتهت القصة قال الله تعالى: {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} فذكر لفظة (منهم) في آخر القصة كما ذكرها في أول القصة ليكون آخر الكلام مطابقاً لأوله، فيكون الظالمون من قوم موسى بإزاء الهادين منهم، فهناك ذكرَ أمةً عادلة وههنا ذكر أمة جائرة ... وأما في سورة البقرة فإنه لم يذكر في الآيات التي قبل قوله: {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ} تمييزاً وتخصيصاً حتى يلزم في آخر القصة ذكر التخصيص فظهر الفرق".
ومن ناحية أخرى إن في ذكر (منهم) تصريحاً بأن الظالمين كانوا من بني إسرائيل، ولم يذكر في البقرة (منهم) فلم يصرح بأنهم منهم تكريماً لهم. وكل تعبير مناسب للسياق الذي ورد فيه كما هو ظاهر.
وقال في سورة البقرة: (فأنزلنا) . وقال في سورة الأعراف: (فأرسلنا) .
ذلك لأن الإرسال أشد في العقوبة من الإنزال، قال تعالى في أصحاب الفيل: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} [الفيل: ٣-٥] . وكل منهما يناسب موطنه.
جاء في (التفسير الكبير) "لِمَ قال في البقرة: {فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ رِجْزاً} وقال في الأعراف: (فأرسلنا) ؟
الجواب: الإنزال يفيد حدوثه في أول الأمر، والإرسال يفيد تسلطه عليهم واستئصاله لهم بالكلية وذلك إنما يحدث بالآخرة".
هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى إن لفظ الإرسال كثر في الأعراف دون البقرة. فقد ورد لفظ الإرسال ومشتقاته في الأعراف ثلاثين مرة، وفي البقرة سبع عشرة مرة، فوضع كل لفظة في المكان الذي هو أليق بها.
جاء في (البرهان) للكرماني أنه عبر بالإرسال في الأعراف دون البقرة "لأن الرسول والرسالة كثرت في الأعراف، فجاء ذلك وفقاً لما قبله، وليس كذلك في سورة البقرة".
وقال في سورة البقرة: {عَلَى الذين ظَلَمُواْ} .
وقال في سورة الأعراف: (عليهم) وهو أعم من الأول. أي: أن العقوبة أعم وأشمل وهو المناسب لمقام التقريع.
وقال في في سورة البقرة: {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} .
وقال في الأعراف: {بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ} لأن الظلم أشد من الفسق، وهو المناسب لـ (إرسال) العذاب فذكر في كل سياق ما يناسبه.
وقال في سورة البقرة: {وَإِذِ استسقى موسى لِقَوْمِهِ} فموسى ههنا هو الذي استسقى رَبَّهُ لقومِه.
وقال في سورة الأعراف: {إِذِ استسقاه قَوْمُهُ} : أي أن قوم موسى استسقوا موسى، والحالة الأولى أكمل وأبلغ في النعمة.
وقال في سورة البقرة: {فَقُلْنَا اضرب} .
وقال في سورة الأعراف: {وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى ... أَنِ اضرب} .
فإن القول المباشر من الله أكمل وأشرف من الإيحاء.
وقال في سورة البقرة: {فانفجرت} .
وقال في سورة الأعراف: {فانبجست} .
وثمة فرق بين الانفجار والانبجاس فإن الانفجار للماء الكثير، والانبجاس للماء القليل. ول تعبير يناسب موطنه. فإن المقام في سورة البقرة مقام تعداد النعم كما ذكرنا. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية: إن موسى هو الذي استسقى ربه فناسب إجابته بانفجار الماء. ومن ناحية ثالثة: إن الله قال لموسى: اضرب بعصاك الحجر ولم يوح إليه وحياً، فناسب ذلك انفجار الماء الكثير الغزير، بخلاف ما ورد في سورة الأعراف فجاء بالانبجاس والله أعلم.
وثمة سبب آخر دعا إلى ذكر الانفجار في البقرة والانبجاس في الأعراف علاوة على ما سبق، ذلك أنه قال في البقرة: {كُلُواْ واشربوا مِن رِّزْقِ الله} فجمع لهم بين الأكل والشرب، ولم يرد في الأعراف ذكر الشرب فناسب ذلك أن يبالغ في ذكر الماء في البقرة.
جاء في (البرهان) للكرماني: "قوله: (فانفجرت) وفي الأعراف: (فانبجست) لأن الانفجار انصباب الماء بكثرة، والانبجاس ظهور الماء وكان في هذه السورة: {كُلُواْ واشربوا} فذكر بلفظ بليغ. وفي الأعراف: {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} وليس فيه: (واشربوا) فلم يبالغ فيه.
وقيل: إن الماء أول ما انفجر كان كثيراً ثم قلّ بعصيانهم، فعبر في مقام المدح بالانفجار وفي حالة الذم بالانبجاس.
ومن مقام التكريم في البقرة أنه جمع لهم بين الأكل والشرب فقال: {كُلُواْ واشربوا مِن رِّزْقِ الله} ولم يقل مثل ذلك في الأعراف بل قال: {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} . وقد قال مثل هذا القول في البقرة: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا ولاكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} . وزاد عليه الجمع بين الأكل والشرب.
ومقام التكريم واضح بيّن، جاء في (معترك الأقران) : "إن آية البقرة في معرض ذكر النعم علهيم حيث قال: {يابني إِسْرَائِيلَ اذكروا نِعْمَتِي التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} فناسب نسبة القول إليه تعالى، وناسب قوله: (رغداً) لأن النعم به أتم. وناسب تقديم: {وادخلوا الباب سُجَّداً} وناسب: (خطاياكم) لأنه جمع كثرة. وناسب الواو في: {وَسَنَزِيدُ المحسنين} لدلالتها على الجمع بينهما، وناسب الفاء في (فكلوا) لأن الأكل قريب من الدخول.
وآية الأعراف افتتحت بما به توبيخهم وهو قوله: {اجعل لَّنَآ إلاها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} ثم اتخاذهم العجل فناسب ذلك: (وإذ قيل لهم) وناسب ترك (رغداً) والسكن يجامع الأكل فقال: (وكلوا) وناسب تقديم مغفرة الخطايا وترك الواو في (سنزيد) . ولما كان في الأعراف تبعيض الهادين بقوله: {الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} ولم يتقدم في البقرة إشارة إلى سلامة غير الذين ظلموا، لتصريحه بالإنزال على المتصفين بالظلم. والإرسال أشد وقعاً من الإنزال، فناسب سياق ذكر النعمة في البقرة. وختم آية البقرة بـ (يفسقون) ، لأن الفسق لا يلزم منه الظالم، والظلم يلزم منه الفسق فناسب كل لفظ ...
كذا في البقرة: (فانفجرت) وفي الأعراف: (انبجست) لأن الانفجار أبلغ في كثرة الماء".
فانظر جمال هذا التعبير وقدّر أيكون هذا من كلام البشر؟