للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٦٤٩ - سؤال: مَن قال: أعاهد الله أن أفعل كذا، ولم يفعل؟

الجواب: لا يلزمه؛ ليس يمينًا (١).


(١) قلت: قال البخاري في صحيحه (١١: ٥٤٤ فتح): «باب عهد الله - عز وجل -»، ثم أسند ما رواه أبو وائل عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: (من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال رجل مسلم لقي الله وهو عليه غضبان) فأنزل الله تصديقه: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عِمرَان:٧٧].

قال الحافظ: «قوله: (باب عهد الله - عز وجل -)، أي: قول القائل: عليّ عهد الله لأفعلن كذا. . قال الراغب: «العهد حظ (كذا بالأصل ولعلها حفظ) الشيء ومراعاته، ومن ثم قيل للوثيقة: عُهدة، ويطلق عهد الله على ما فطر عليه عباده من الإيمان به عد أخذ الميثاق، ويراد به - أيضًا - ما أمر به في الكتاب والسنة مؤكدًا، وما التزمه المرء من قبل نفسه كالنذر». قلت: وللعهد معانٍ أخرى غير هذه: كالأمان، والوفاء، والوصية، واليمين، ورعاية الحرمة، والمعرفة، واللقاء عن قرب، والزمان والذمة، وبعضها قد يتداخل».
وقال ابن المنذر: «مَن حلف بالعهد فحنث لزمه الكفارة، سواء نوى أم لا عند مالك والأوزاعي والكوفيين، وبه قال الحسن والشعبي وطاووس وغيرهم».
قلت: وقال به أحمد، وقال عطاء والشافعي وإسحاق وأبو عبيد: لا تكون يمينًا إلا إنْ نوى. . .
وقال ابن التين: «هذا لفظ يستعمل على خمسة أوجه:
الأول: عليَّ عهد الله. والثاني: وعهد الله. والثالث: عهد الله.
والرابع: أعاهد الله. والخامس: عليّ العهد.
وقد طرد بعضهم ذلك في الجميع، وبعضهم فصّل فقال: لا شيء في ذلك إلا إن قال: عليّ عهد الله ونحوها، وإلا فليست بيمين نوى أو لم ينو. اه -. وقال أبو محمد في المغني (١٣: ٤٦٣): «مسألة: قال: «وبالعهد»، وجملته: أنه إذا حلف بالعهد أو قال: وعهد الله، وكفالته، فذلك يمين يجب تكفيرها إذا حنث فيها. وبهذا قال الحسن وطاووس والشعبي، والحارث العكلي، وقتادة والحكم، والأوزاعي، ومالك، وحلفت عائشة - رضي الله عنها - بالعهد ألا تكلم ابن الزبير، فلما كلمته أعتقت أربعين رقبة، وكانت إذا ذكرته تبكي وتقول: واعهداه (رواه البخاري). وقال أحمد: العهد شديد في عشرة مواضع من كتاب الله: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء:٣٤] وقال الشافعي: لا يكون يمينًا إلا إن نوى، وقال أبو حنيفة: ليس بيمين». اه -.
وقال ابن هاني في مسائله (٢: ٧٣): «سألت أبا عبد الله عن الرجل يقول: عليّ عهد الله إن كلمت أخي؟ قال: يعتق رقبة ويكلمه».
وقال (٢: ٧٩): «وسألته عمن قال: عليّ عهد الله وميثاقه إن فعلت كذا وكذا؟ قال: يمين يكفرها».
وقال ابن عبد البر في التمهيد (١٤: ٣٧١): «واختلفوا فيمن حلف بحق الله وبعهد الله وميثاقه. فقال مالك: هي أيمان كلها وفيها الكفارة». اه -. ونقل ابن قاسم في حاشية الروض (٧: ٤٦٦) عن ابن عبد البر - في قول وعهد الله - قال ابن عبد البر: «لا خلاف في أنها يمين إلا عمن لا يعتد بقوله».
وقال في شرح السنة (١٠: ٥): «ولو قال: علىّ عهد الله وميثاقه فليس يمينًا إلا أن يريد به اليمين ومثله في الروضة».
وفي فتاوى قاضى خان الهندية (٢: ٤) ولو قال: وعهد الله وذمة الله يكون يمينًا».
وقال الكاسانى في بدائع الصانع (٣: ٨): «ولو قال: علىّ عهدُ الله أو ذمة الله أو ذمة أو ميثاقه فهو يمين؛ ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النّحل:٩١]، ثم قال سبحانه: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النّحل:٩١]، وجعل العهد يمينًا».
ومال السرخسي في المبسوط (٧: ٢٣): «لو قال: عهد الله عليّ فالعهد يمين، قال تعالى: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النّحل:٩١]». وقال ابن حزم في المحلي (٨: ٣٢) مسألة: «الحلف بالأمانة وبعهد الله وميثاقه .. فكل هذا ليس يمينًا، واليمين بها معصية ليس فيها إلا التوبة والاستغفار؛ لأنه كله غير الله ولا يجوز الحلف إلا بالله».
وقال ابن المنذر في الإقناع (١: ٢٧٦): «وإذا قال: عليه عهد الله وميثاقه وأراد اليمين فهي يمين».
وقد أطال شيخ الإسلام الكلام على المسألة في كتابة النفيس نظرية العقد استخلصت منه ما دل على المراد. قال - رحمه الله - (ص: ٦٦): «وقد يقول أحدهم: علينا عهد الله وميثاقه، أو يقول: نعاهد الله على هذا، ومنه قوله: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ} [الأحزَاب:١٥]، وهذا نذر. وكذلك قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة:٧٥]، الآيات - إلى قوله -: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة:٧٧]، وكان هذا نذرًا لله، وهو معاهدة لله، ومعاهدة الله من أعظم الأيمان، فاليمين والمعاهدة ونحو ذلك: ألفاظ متقاربة المعنى أو متفقة المعنى فإذا قال: أعاهد الله أني أحج العام فهذا نذر وعهد، وهو يمين، وإذا قال: أعاهد الله ألا أكلم زيدًا فهو عهد، لكن ليس نذرًا، فالأيمان اسم جنس إن تضمنت معنى النذر، وهو أن يلتزم لله قربة يلزمه الوفاء بها لكونها نذرًا، وهنا هي عقد لله وعهد لله ومعاهدة لله،.
وقال ص: ٩٥): «والمعاهدة هي المعاقدة، وهي ثلاثة أنواع:

١ - المعاقدة بين الناس كالمعاهدة بين المسلمين والكفار في الهدنة. ..

٢ - معاهدة الله على ما يتقرب به إليه، فهذا من النذر والحلف على المنذور، فإذا كان على فعل واجب، أو ترك محرم، كان يمينًا ونذرًا كذلك، وإن كان على مستحب كان نذرًا له مؤكدًا باليمين بمعاهدة الله.

٣ - معاهدة الله بمعنى اليمين المحضة، إذا كان مقصودها الحض والمنع فهذه يمين، لكنها مؤكدة. وأطال الكلام على تفصيل ذلك». والله تعالى أعلم.

<<  <   >  >>