ففيه إشارة إِلَى أن هذه التعاريف خاصة بأزمانهم وأنها لا يلزم من بعدهم التمسكُ بها، ومهما كان الأمر فإن تلك الكلمات متفقة في الجملة على أنَّ درجة "الحافظ" من أسمى الدرجات الخاصة بالمحدث، ولذلك ندر في المتأخرين من بلغها، قَالَ الشيخ أحمد مُحَمَّد شاكر في "الباعث الحثيث"(ص ١٧٩):
"وأمَّا الحفظ فإنه انقطع أثره وختم بالحافظ ابن حجر العسقلاني رَحِمَهُ الله، ثم قارب السخاوي والسيوطي أن يكونا حافظين، ثم لم يبق بعدهما أحد، ومن يدري: فلعل الأمم الإسلامية تستعيد مجدها، وترجع إِلَى دينها وعلومها، وَلَا يعلم الغيب إلَّا الله، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ".
قلت: ولكن هذا لا يمنع المتخصصين في علم السنة من سد هذا النقص بالاستعانه بمؤلفات الحفاظ أنفسهم ودواوينهم، لا سيما إِذَا جمع أقوالهم وبحوثهم حول الحديث الواحد وما ذكروه له من الطرق، فإنه بذلك يستعيض ما فاته من الحفظ الذي كان يساعد الأولين من الحفّاظ على التحقيق والإتقان، بل إنه ربما استدرك بذلك على بعضهم. كما نراه في بحوث بعض محققي العصر الحاضر كالشيخ أحمد شاكر المصري وغيره مثل علماء الهند بارك الله فيهم ...
ولكن ليس في تلك الكلمات ما يدل على أنَّ التصحيح والتضعيف من وظيفة الحافظ فقط، وأمَّا استدلال الشيخ على ذلك بما نقله (ص ٣٦) عن البلقيني أَنَّهُ قَالَ:
"الحسن لما توسط بين الصحيح والضعيف عند الناظر، كان شيئًا يتقدح في نفس الحافظ .. " قَالَ الشيخ: "ففيه كما ترى اشتراط الحفظ في التحسين وأنه من خصائص الحافظ".
قلت: فبم الشرطية من هذه العبارة ما لا نغبط الشيخ عليه؛ لأنَّ ذكر "الحافظ" فيها ليس قيدًا إحترازيًا، بدليل أَنَّهُ قد يتقدح ذلك في نفس من