والمصتف نظر إلى أنّ جملة الحمد إنما تدل على ثبوت المحامد له تعالى على قصر الحقيقة، فنسب الدلالة إلى إجراء الأوصاف، واكتفى بثبوت الحقيقة، أوّلاً نظراً إلى جل النظر، ثم ترقى فقال لا أحد إلخ. ثم ترقى في النظر فالأوّل تدافع بين قوله أنه الحقيق النافي استحقاق غيره بتعريف الخبر وقوله لا أحد أحق إلخ المفيد لمشاركة غيره في الاستحقاق لكن الحصر ادّعائي بتنزيل استحقاق الغير منزلة العدم،
وقيل إنه لم يرد به الحصر لئلا ينافي كونه أحق ولئلا يصير قوله بل لا يستحقه إلخ. لغوا وكون تنزيل استحقاق الغير منزلة العدم بالنسبة إلى استحقاقه لا يستلزم عدم استحقاقه في الحقيقة لا يضرنا إذا دققنا النظر فيه، وقيل: إنه لم يكتف بالقصمر المستفاد منه فزاد هذا للتاكيد والمبالغة ولما فهم من ظاهر نفي الأحقية عن الغير أصل استحقاقه نفاه بقوله بل لا يستحقه على الحقيقة سواه، وقال: على الحقيقة، لأن استحقاقه في الجملة ثابت لا ينكر، وقال قدّس سرّه. المناسب لكون الحمد حقيقا به دون غيره أن يقال: لم يكن غيره حقيقاً بالحمد لأن قوله أحق يدل على أنّ غيره حقيق في الجملة، فكأنه لما أشار أوّلأ إلى انحصار الحمد فيه تعالى نبه هنا كلى أنه ادعائي على ما سبق من التأويل إيماء إلى مذهبه انتهى. والمصنف لما تبعه في أوّل كلامه أضرب عن ذلك بما يدل على أنّ الحصر حقيقي لا ادعائي إيماء إلى مخالفته وفيه نظر، ولا أحق منه كقولهم لا أفضل في البلد من زيد ومعناه أنه أضمل من الكل بحسب العرف إذ يستفاد منه نفي المساواة، وفي شرج المقاصد في بحث تفضيل الصحابة السر فيه أنّ الغالب فيما بين كل شخصين الأفضلية، / أو المفضولية لا التساوي، فلهذا نفى الأفضلية دون المساواة، وانما لم يستحقه سواه على الحقيقة لما قيل من أنّ الأفعال الاختيارية للعباد مخلوقة له تعالى ولا تأثير بل لا مدخل لاختيارهم فيها أصلاً، فلا يستحقون الحمد عليهيا ومعنى الاستحقاق المنفي كونه حقا لازما لهم، وأها الاستحقاق بمعنى ترتبه عليها عقلاً وعادة، فلا نزاع فيه كاستحقاق الئواب، ولا يلزم من نفي الاستحقاق بالمعنى المذكور كون حمد غيرهم مجازاً لأنه لغة الثناء على الجميل الاختياري أي المنسوب إلى الاختيار ونسبته إليه بكونه مسبباً عنه، وله مدخل في حقيقته أو مقارنته له، وأمّا كونه لا اختيار لغير الله عند أهل الحق فيختص الحمد به حقيقة لاختصاصه بالجميل الاختياري، فيلزم أن يكون إطلاقه في حق غيره مجازا ففيه أنه إن أريد نفي الاختيار الذي له مدخل في الفعل، فانمكاؤه مسلم لكن لا يتجه القول بمجازية الحمد إذ أطلق على غيره تعالى، فإنهم قائلون بوجود الاختيار للعبادو بانتساب أفعال العباد إلى الاختيار بالمقارنة، وفي شرح المواتف ليس لقدرة البشر تأثير في أفعالهم بل الله أجرى عادته بأن يوجد في العباد قدرة، واختياراً فإن لم يكن هناك مانع أوجد فيه فعله المقدور مقارنا لهما وساغ إطلاق الاختياري في كلام أهل الحق على أفعالهم، واد أريد نفي الاختيار مطلقا فممنوع.
(أتول) ما ذكره في معنى الاستحقاق تساعده اللغة.
قال في المصباح: قولهم هو أحق بكذا له معنيان أحدهما اختصاصه بذلك من غير مشاركة نحو زيد أحق بماله أي لا حق لغيره فيه. والثاتي أن يكون أفعل تفضيل، فيقتضي اشتراكه مع غيره وترجيحه عليه قاله الأزهريّ واستحق فلان الأمر استوجبه قاله الفارابي
وجماعة انتهى. وكذا ما حكاه من كون حمد العباد ليس بمجازي الأ أنّ الذي نراه أنّ كلام المصنف أظهر مما يذكر فتدبر فيما بعده. قوله: (فإن ترتب الحكم إلخ الما ذكر أنه الحقيق ولا أحق منه، ثم أضرب عن الأحقية إلى نفي استحقاق الغير رأسا أشار إلى وجه ذلك، والحكم هو ثبوت الحمد لله المعلوم من جملة الحمد لله، والترتب المذكور معنويّ فإنك إذا قلت كرم هذا الرجل العالم فهم منه أنّ سبب إكرامه علمه، ولذا قيل إنّ في قوله تعالى:{مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}[الانفطار: ٦] تلقينا للحجة وهو من ألطف الكرم، والوصف وإنّ تأخر عن موصوفه لفظاً، وكذا عن الحكم عليه فهو مقدم عليه رتبة لتقدم العلة على المعلول والسبب على المسبب بالذات والاضتبار فلا يقال إنه ليس من ترتب الحكم على الوصف بل الأمر بالعكس كما توهم وهذا ما وعده قبل بقوله كرّره للتعليل على ما سنذكره، والظاهر أنّ كل واحد من هذه الأوصاف المذكورة علة لاستقلاله في إيجاب الحمد عقلاً كما ستراه لا المجموع كما قيل، وقد قيل عليه إنّ انحصار العلة في المذكورات إنما يتم إن كان الحكم ثبوت