للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أراد أنه من البطون القرآنية فنعم، وتنزيل النظم عليه ظاهر. قوله: (توبيخ الكفرة وتبكيتهم الخ (يعني أنّ الاستفهام ليس حقيقياً، ولكن لا لتوبيخ عيسى صلى الله عليه وسلم بل لتوبيخ المتخذين، ولما كان هذا القول وقع من رؤسائهم في الضلال كان مقرّراً كالاتخاذ، وإنما المستفهم عنه صورة ممن صدر فلذا قدم المسند إليه لأنّ المستفهم عنه يلي الهمزة إلا لنكتة على المشهور عند أهل النحو والمعاني، ولام للناس للتبليغ، واتخذ بمعنى صير يتعدّى لاثنين، وقد يتعدى لواحد فالهين حال، ومن دون إما متعلق به أو بمحذوف صفة الهين وقيل التقديم لتقوية التوبيخ، وقوله وأمي دون مريم توبيخ على توبيخ أي مع أنك بشر تلد، وتولد قبل هذا، وقيل الاستفهام لاستنطاقه ليفتضحوا، وهذا ليس غير التوبيخ كما توهم. قوله: (ومعنى دون إما المغايرة الغ (لما كان معنى اتخذت فلانا صديقاً من دوني أنه استبدله به لا أنه جعله صديقاً معه، وهم لم يقولوا بذلك بل ثلثوا أوّلها بأن من أشرك مع الله غيره فقد نفاه معنى لأنه وحده لا شريك له منزه عن ذلك فاقراره بالله كلا اقرار فيكون من دون الله مجازاً عن مع الله أو المراد بمن دون التوسط بينهم وبين الله كما تقول اتخذ شفيعاً من دون السلطان أي بينك، وبينه فيكون الدون إشارة لقصور مرتبتهما عن مرتبته لأنهم قالوا هو كالشمس، وهذا كشعاعها، وهذا في الآخرة، ولذا ضعف ما قيل إنّ

أوّل من صلى المغرب عيسى صلى الله عليه وسلم شكر ألله حين خاطبه بقوله " نت قلت الخ، وكان ذلك بعد الغروب فالأولى لنفي الألوهية عن نفسه، والثانية لنفيها عن أمّه، والثالثة لاثباتها لله. قوله: (أي أنزهك تنزيها من أن يكون لك شريك الخ) إشارة إلى أنّ اتخاذهما إلهين تشريك لهما معك في الألوهية لا إفرادهما بذلك إذ لا شبهة في ألوهيتك، وأنت منزه عن الشركة فضلا عن أن يتخذ إلهان دونك على ما يشعر به ظاهر العبارة قيل: ويجوز أن يكون إشارة إلى أنّ من دون الله في موتع الصفة، والمعنى الهين سوى الله فيكون المجموع ثلاثة، وهذا إثبات للشريك فنزهه عنه، ومنه يعلم توجيه آخر لقوله من دون الله غير التوجيهين السابقين اللذين ذكرهما الراغب، وتبعه المصنف رحمه الله، وقوله أنزهك تنزيها إشارة إلى أنه منصوب على المصدرية كما مرّ تفصيله في سورة البقرة، وقوله من أن يكون لك شريك بيان لمتعلق المنزه عته، وقدره ابن عطية من أن يقال هذا، وينطق به قيل وهو أنسب بقوله ما يكون لي أن أقول الخ. قوله:) ما ينبني لي أن أقول قولاً لا يحق لي أن أقوله) إشارة إلى أن ما يكون بمعنى ما ينبغي، ولا يليق، وهو أبلغ من لم أقله وقوله لا يحق لي إشارة إلى أنّ لي متعلقة بحق مقدمة عليه، وبحق خبر ليس، وليس بمتعين لاحتمال لي أن يكون للتبيين فيتعلق بمحذوف كما في سقيا لك، وقد أعربه المعربون كذلك فلا حاجة إلى تكلف وجه آخر، ولا يرد عليه ما قيل إنه يقتضي تعلق لي بحق وتقديم صلة المجرور على الجار ممتنع فلا بد من تقدير متعلق يفسره الظاهر، وأما القول بأنّ الباء زائدة فلا يفيد إذ لا فرق في المنع بين الزائد، وغيره إلا أن يذهب إلى القول بالجواز كما ذهب إليه بعض النحاة. قوله: (إن كنت قلتة) المعنى على المضي هنا، وأن تقلب الماضي مستقبلاً فلذا قيل معناه إن صح قوله ودعو أي ذلك فقد تبين عملك به، وأجاب عنه ابن يعيش بجوابين الأوّل عن المبرد أنّ كان قوية الدلالة على المضيّ فلا تقدران على تحويلها إلى الاستقبال الثاني عن ابن السراج أن التقديران أقل كنت قلته قال: وكذ ما كان من أمثاله، وفي تذكرة ابن هشام رحمه الله أنّ هذين الجوابين ضعيفان.

قوله: (تعلم ما أخفيه في نفسي كما تعلم الخ) قال الزجاج: النفس في كلامهم لمعنيين بمعنى الروج، وبمعنى الذات وحقيقة الشيء، وليس مراده الحصر فيهما لأنّ لها معاني أخر، وإذا كانت بمعنى الذات فقد ورد إطلاقها على الله من غير مشاكلة كقوله: {وكتب على نفسه الرحمة} وغيره وأمّا بالمعنى الأوّل فلا تطلق عليه تعالى إلا مشاكلة، وهنا إن كان المراد الذات على كل حال فيهما فليست المشاكلة في إطلاقها بل في لفظ في حيث جعلت علم عيسى صلى الله عليه وسلم، في ذاته بمعنى في ذهنه، وعقله كقولك كان كذا في نفسي، وعلم الله لا يرتسم في عقل، ودهن ولا يتوقف على آلة، ولذا قال الطيبي رحمه الله لا بد من المشاكلة، وان أريد الحقيقة

والذات من حيث إدخال في الظرفية لأنّ المراد به من جانب العبد ما في الضمير، والقلب، وقال الراغب:

<<  <  ج: ص:  >  >>