فيهما ما يتبادر منهما وادعاء معنى آخر لا دليل عليه، ولذا جعله تنبيها لا دليلا فتأمل.
قوله:(وجمع الظلمات لكثرة أسبابها والاجرام الحاملة لها الخ) في نسخة وأفرد النور للقصد إلى الجنس يعني به ما قال الزمخشري إنه أفرد النور للقصد إلى الجنس كقوله: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا}[سورة الحاقة، الآية: ١٧] أو لأن الظلمات كثيرة لأنه ما من جنس من أجناس الاجرام إلا وله ظل وظله هو الظلمة بخلاف النور فإنه من جنس واحد، وهو النار وضمير لها في كلام المصنف أمّا للظلمات فيكون معنى كونها حاصلة لها أنها منشؤها أو لأسباب وهي كثاقة الأجسام وهذا أقرب وأورد عليه عود السؤال، وهو أنه لم أريد بالنور الجنس وبالظلمات أفرادها لا جنسها، وأنّ الظلمات كما تعددت فالأنوار أيضا تتعدد بحسب مباديها من الكواكب والنيرين والنار كما قال الزمخشري في قوله تعالى:{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً}[سورة البقرة، الآية: ١٧] إن النور ضوء النار وضوء كل نير وأجيب بأنه فعل ذلك ليحسن التقابل مع قوله خلق السماوات والأرض ولا يخفى أنه لا دلالة لكلام المصنف على هذا، وهذا جواب آخر مستقل وبأن مرجع كل نير إلى النار على ما قيل أنّ الكواكب أجرام نورية نارية، والشهب منفصلة من نور الكواكب فالمصنف رحمه الله تعالى لما رأى تقارب الجوابين جعلهما شيئا واحداً. قوله:(أو لآن المراد بالظلمة الضلال وبالنور الهدى الخ) في تأخيره إشارة إلى ترجيح الأوّل تبعا للإمام رحمه الله فإنه قال إنه أولى لأن الأصل حمل اللفظ على حقيقته ولأنّ الظلمات والنور إذا قرنا بالسماوات والأرض لم يفهم منهما إلا الأمر أن المحسوسان، وتعقب بأن المعنى أنه لما خلق السماوات والأرض! فقد نصب الأدلة على معرفته وتوحيده، ثم بين طرق الضلال وطريق الهدى بإنزال الشرائع والكتب السماوية {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ} فناسب المقام، ثم الاستبعادية إذ يبعد من العاقل الناظر بعد إقامة الدليل اختيار الباطل على أنه كلما ذكر الظلمات والنور في الكتاب الكريم أراد الضلال والهدى كقوله تعالى:{اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ}[سورة البقرة، الآية: ٢٥٧] إلى غير ذلك، ولا يخفى أنّ قصاراه صحة ما ذكره لا أرجحيته والآية المذكورة لا ترد على الإمام بل تؤيد كلامه، ويدل على أنّ الهدى واحد والضلال متعدد قوله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}[سورة الأنعام، الآية: ٥٣ ا] والدين الحق مجموع أمور يتحقق الضلال بمخالفة كل واحد منها وقيل: المراد به العقائد الحقة لا الفروع. قوله:(وتقديمها لتقدّم الإعدام على الملكات الخ) إذا تقابل شيئان أحدهما وجودقي فقط فإن اعتبر التقابل بالنسبة إلى موضوع قابل للأمر الوجودي إمّا بحسب شخصه أو بحسب نوعه، أو بحسب جنسه القريب أو البعيد فهما العدم، والملكة الحقيقيان، أو بحسب الوقت الذي يمكن
حصوله فيه فهما العدم والملكة المشهوران، وإن لم يعتبر فيهما ذلك فهما السلب والإيجاب فالعدم المشهور في العمي والبصر هو ارتقاع الشيء الوجودي كالقدرة على الأبصار مع ما ينشاً من المادّة المهيأة لقبوله في الوقت الذي من شأنها ذلك فيه كما حقق في حكمة العين وشرحها فإذا تحققت أن كل قابل لأمر وجودي في ابتداء قابليته واستعداده متصف بذلك العدم قبل وجود ذلك الأمر بالفعل تبين أن كل ملكة مسبوقة بعدمها لأنها وجود تلك الصفة بالقوّة، وهو متقدم على وجودها بالفعل، وقال: خاتمة المحققين: لا بد في تقابل العدم، والملكة أن يؤخذ في مفهوم العدمي كون المحل قابلا للوجودفي ولا يكفي نسبة العدمي إلى المحل القابل للوجودي من غير أن يعتبر في مفهوم العدمي كون المحل قابلا له، ولذا صرحوا بأنّ تقابل العدم والوجود تقابل السلب والإيجاب قال في الشفاء: العمى هو عدم البصر بالفعل مع وجوده بالقوّة وهذا لا بد منه في معناه المشهور انتهى فقول الفاضل المحشي فيه إن الجزئية غير مقيدة والكلية ممنوعة لتأخر الاعدام الطارئة عنها غير سديد، ثم قال: فإن قلت أراد كل ملكة يتقدمها العدم دون العكس قلت إن أريد تقدم العدم السابق مطلقاً، ولو في وقت عدم الموضوع فليس ذلك بعدم ملكة لأنه عدمها عن الموضوع القابل بأن يتحقق الموضوع ولا تتحقق الملكة لا بأن لا يتحقق الموضوع كما لا يخفى وان أريد تقدمه في وفت وجود الموضوع، فذلك غير متصوّر فيما لا تنفك الملكة عنه لكونها من لوازمه انتهى، وهو