السابقة من العبد توجب على الله الآلاء اللاحقة به كما قال تعالى:{لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم: ٧] وما أورد عليه من أنّ المعتزلة لا يقولون بالوجوب عليه تعالى في غير الثواب والعقاب، كما بين في الكلام ليس بشيء، وقوله قضية مصدر أو اسم مصدو بمعنى القضاء كالعطية بمعنى العطاء والقضاء بمعنى الأداء، كما في قوله تعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ}[النساء: ٠٣ ا] أي أديتموها وقيل الحكم.
وفي المصباج إنّ استعمال الفقهاء القضاء لما يفعل خارج الوقت مقابلاَ للأدأء اصطلاح مخالف للوضع اللغويّ، وهو تعليل للوجوب يعني أنّ الوجوب عندهم لقضاء حق الأعمال السابقة من العبد وأدائها، وهو منصوب على أن مفعول لأجله لقوله وجوب، وقيل ليصدر من حيق التعلق بالوجوب واللام متعلقة بقضية، ونصبه مع أنه ليس فعلاً لفاعل الفعل المعلل لأنه في الحقيقة علة لما هو مضاف إليه الوجوب معنى، وهو الإيجاد والتربية على أنّ الرضمى لم يرض اشتراط ذلك، والمراد بقضاء سوابق الأعمال الإتيان بمثلها من الجزاء، وهذا علة لبعض ما يوجبونه عليه، ومعنى الوجوب عليه اللزوم في موجب الحكمة بحيث يحكم العقل بامتناع عدم صدور الفعل منه، وقد يضم له أنه لو لم يفعل يستحق الذم بمخالفته الحكم، وانتفاؤه يلزم منه كونه متفضلاً كذا قيل، وأورد عليه أنه يصير المعنى حينئذ ليس إيجاد. وتربيته لقضاء سوابق الأعمال، وهو وان تصوّر في بعض أفراده القريبة لا يتصوّر في الإيجاد أن يكون لقضائها، وقد علمت سقوطه مما مرّ وان كانت العبارة لا تخلو عن قصور مّا. قوله:(حتى يستحق به الحمد) هو غاية لقوله متفضل بذلك مختار ومستقبل بالنسبة إليه، فيجوز فيه الرفع والنصب كما في قوله تعالى:{وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} [البقرة: ٢١٤، وقيل
حتى استئنافية ويستحق مرفوع مسبب عما قبله وقصد به حكاية الحال الماضية وفيه نظر أي لو لما يكن متفضلاً مختاراً لم يستحق الحمد كما مرّ، وهو في الحقيقة متعلق بالتفضل دون الاختيار إذ من أدّى ما يجب عليه لا يحمد أو لا يعتد بحمده، ولذا قال الفقهاء إنّ الهبة بعوض بيع معنى، فلا يرد عليه أنّ الوجوب بالمعنى المذكور يجامع القدرة على الترك والتمكن منه نعم الوجوب بمعنى منافي الاختيار ينافي الاستحقاق، وليس كالوجوب على العبد كما قيل لا لما ذكر من أنّ هذا الوجوب بمعنى عدم قدرته على الترك إذ هو واقع كما عرفت بل لأنّ الوجوب الشرعي عدم منافاته للاختيار ظاهر جدا، فلا يناسب التشبيه إلا أن يكون باعتبار إرادة المبالغة في عدم استلزام الوجوب عليه لسلب الاختيار، وقد عرفت ما يرده واذا ظهر المراد سقط الإيراد. قوله:(لتحقيق الاختصاص) أي اختصاص الحمد بالله وعدم قبول مالكية يوم الدين للشركة فيه ظاهر بخلاف الربوبية والرحمة فإنها بحسب الظاهر بتصوّر فيها الشركة، وان كانت بالنظر للمعنى المراد كما مرّ لا تقبلها أيضاً واختصاص الحمد لاختصاص المحمود به أو عليه، وتضمين إلخ بالجرّ معطوف على تحقيق، والوعد والوعيد من الدين بمعنى الجزاء، وما قيل عليه من أنّ اختصاص الأمور به في يوم الدين لا يوجب اختصاص الحمد لجواز أن يحمد على غير ما في هذا اليوم وأنه لا دخل لتضمين الوعد والوعيد فيما هو بصدده من بيان وجه إجراء الصفات عليه، فكان ينبغي أن يقول واجراء هذه الصفات للدلالة إلخ وللحث على الحمد والنهي عن الإعراض ليرتبط الكلام لا يرد لأنّ الحمد على ما في غيره، واختصاصه أيضاً علم من رب العالمين وقرينيه، وأكد بهذا الظهور اختصاصه، ووعد الحامدين يقتضي استحقاق الحمد وينبه على لزومه فمناسبته للمقام ظاهرة، وعبر بالتضمين لما فيه من زيادة الوعيد مع أنه وعد للمؤمنين أيضا كما قيل:
مصائب قوم عند قوم فوائد
وقوله للمعرضين أي عن حمده أو عنه وعن عبادته. قوله:(ثم إنه لما ذكر إلخ) ثم للعطف مع مهلة، وهي هنا للانتقال من كلام إلى آخر، ولما كانت العبادة أهمّ عطفها بها للدلالة على تفاوت الرتبة أو هو إشارة إلى بعد طريق الخطاب عن طريق الغيبة والضمير للشأن وخالف الزمخشريّ في تقديم ما ذكر لأنه المقصود بالذات قيل: ولو قال بدل ذكر حمد كان أولى وهو اشتغال بما لا يعني وتميز صفة لصفات وعظام جمع عظيمة هنا ويكون جمع عظيم، وجمع عظم أيضاً كما صرّح به صدر الأفاضل، فمن قصره على الأخير فقد وهم وتعفق عطف على تميز بحذف العائد، ووقع في بعض النسخ بدون