المستحق لذلك، لأنه المولى لأعظم النعم، كالوجود والحياة وما يتبعهما، وأورد عليه أنّ دليله لا يفيد انحصار أقصى غاية الخضوع في الخضوع دلّه إلاً أن يقال أنّ ما لا يقع في موقعه غير معتبر، فهو بمنزلة العدم فناسب أن لا يستعمل ذلك لغيره، وهو منتقض بقوله تعالى:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ}[الأنبياء: ٩٨] وغيره مما تكرّر في القرآن، ولسان الشرع إلاً أن يقال العبادة عند عدم التقييد بالمفعول، لا تستعمل إلاً في الخضوع له تعالى، ونقل عن المصئف رحمه الله هنا حاشية لا يرد عليها هذا، وهي قوله أي لا يجوز شرعا ولا عقلاً فعل العبادة إلآ لله تعالى لأنّ المستحق لأقصى غاية الخضوع من كان موليا لأعظم النعم من الوجود، والحياة وتوابعهما، ولنهلك يحرم السجود لغير الله قعالى لأن وضع أشرف الأعضاء على أهون الأشياء، وهو التراب غاية الخضوع اهـ. قيل وهو مبنيّ على أنّ المراد بقوله لا يستعمل لا يفعل ويأباه قوله إلا في الخضوع دثه إذ الواجب حينئذ إلا لله وليس بشيء لأن مراده أنه لم يستعمل في لسان الشرع ولغة العرب المعتد بها مطلقا لغيره تعالى بخلاف العبودية والخضوع والتواضع ونحوه وما ورد في القرآن ونحوه وارد على زعمهم تعريضا لهم ونداء على غباوتهم ولذا حرم السجود لغير الله وخص التحريم به لغاية ظهوره في قصد العبادة، فلا حاجة لأن يقال إنه لا مانع من أن يراد لا يجوز فعل أقصى غاية الخضوع، إلاة في ضمن خضوعه لله تعالى، وسخافته تغني عن ردّه وبتفسير غاية الخضوع بما ذكرناه سقط ما قيل: إنّ العبادة إذا كانت أقصى غايات الخضوع يلزم أن لا يكون أكثر الناس بل أكثر المؤمنين عابدين لله. قوله:(والاستعانة طلب المعونة إلخ) العون الظهير على الأمر والجمع أعوان، واستعان به فأعانه، وقد يتعدى بنفسه فيقال: استعانه والاسم المعونة والمعانة أيضاً بالفتح، ووزن المعونة مفعلة بضم العين فنقلت ضمته لثقلها على الواو، وقيل الميم أصلية مأخوذة من الماعون، فوزنها فعولة على هذا، والمراد بها المعنى اللغوي،. وهو الإعانة مطلقاً لا ما اصطلح عليه أهل الكلام من أنه بمعنى القدرة، وهي الصفة المؤثرة على وفق الإرادة العدم صدقها على شيء مما ذكره المصتف رحمه الله سوى اقتدار الفاعل، ولا القدرة بمعنى ما يتمكن به العبد من أداء ما لزمه بقسميه من الممكنة والميسرة على ما فصله الحنفية في كتب الأصول، وفي بعض الحواشي أنه المراد قيل: وهو مردود من وجوه.
أمّ أؤلاً فلعدم صدقه على شيء مما سيذكره.
وأمّ ثانياً فلأنّ القسم الأوّل من الفدرة يتوقف عليه صحة التكليف كما سيذكره المصئف رحمه الله بطريق المفهوم، فتتوقف عليها العبادة فتتقدم عليها بالضرورة، وطلبه في عامة المهمات الداخلة فيها العبادة بخصوصها يقتضي تأخره عنها فيلزم التنافي، والقسم الثاني وان لم يتوقف عليه صحة التكليف لكن العبادة الواجبة على تقدير كونها ميسرة بالمعنى الاصطلاحي
متوقفة عليه فتتقدم عليه وطلبه فيها يقتضي لتاخر عنها فيلزم التنافي أيضاً.
وأمّا ثالمثاً فلأنّ طلب قدرة قجب بها العبادة ممكنة كانت أو ميسرة، مما لا معنى له إذ
حاصله طلب الوجوب عليه والمقصود طلب الإعانة في تبرئة الذمم عما يجب عليها.
وأمّا رابعا فلأنّ قوله اهدنا إلخ لا يصح أن يكون بيانا للمعونة بهذا المعنى، وألمصئف
جعله بيانا ولعمري لقد أطال بما لم يفد غير الملال والداعى له ما وقع لهم من الاضطراب والاختلال، والحق أنّ المصنف رحمه الله لم يرد شيئا مما قالوه أمّ القدرة فلأنها عند المصتف لها معنى غير ما ذكروه، وهو شافعيّ أشعريّ فلا يليق تفسير كلامه بما في أصول الحنفية مع أنّ ما ذكره المصتف لا يوافقه كما سنذكره، وأمّا المعنى اللغويّ فكذلك لأنّ المعاونة في اللغة والعرف العام المساعدة والمظاهرة بالأمور المحسوسة كالمال والرجال وتكون بالبدن كرفع الحمل الثقيل معه، وبالمقال كبيان حجة، والمطلوب هنا لا يختص بما ذكر ألا ترى إلى قوله:
{اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ}[البقرة: ١٥٣] ونحوه مما يعد استعانة فيهما، فالمراد كما أشار إليه الإمام ومته أخذ المصتف تيسير الله له ما يريده على وفق رضاه وهو معنى لا حول ولا قوّة إلآ. بالله أي لا حول عن معصيته، ولا طاقة لطاعته إلاً بتوفيقه فيشمل الأسباب البعيدة والقريبةاالضرورية وغيرها وتندرىء به الشبهات كما سترأه إن شاء الله تعالى. قوله:
(والضرورية إلخ) سميت ضرورية لتوقف الفعل عليها ضرورة، وهي مناط التكليف بالاتفاق