وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار، ويعمل أهل النار يعملون فقال ائرجل يا رسول الله ففيم العمل فقال إنّ الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله الله الجنة، وإذا خلق الله العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله الله النار " (١ (وللمفسرين والمحدثين ومثايخ الصوفية هنا كلام طويل الذيل، والحديث ناطق بأنّ هذا معنى الآية لأنه ساقه مساق التفسير لها واطباق المعتزلة على أنّ القرآن لا يفسر بالحديث مخالف لإجماع من يعتد به، وكذا قول الإمام إنّ ظاهر الآية يدل على إخراج الذرّية من ظهر بني آدم
وليس فيها ما يدل على أنهم أخرجوا من صلب آدم، ولا ما يدل على نفيه إلا أنّ الخبر دل عليه فيثبت خروجهم من آدم بالحديث، ومن بني آدم بالآية لا يطابق سياق الحديث مع جواز أن يراد ببني آدم هذا النوع الشامل لآدم عليه الصلاة والسلام كما هو مشهور في الاستعمال، ولذا قيل: الواجب على المفسر أن لا يفسر القرآن برأيه إذا وجد النقل عن السلف فكيف بالنص القاطع من حضرة الرسالة فإنّ الصحابيّ سأله عما أشكل عليه من معنى الآية وكذا فهم الفاروق رضي الله عنه، وقال الكسائيّ: لم يذكر ظهر آدم لأنّ الله أخرج بعضهم من بعض على الترتيب في التوالد، واستغنى عن ذكر آدم عليه الصلاة والسلام لعلمه، وأما قولهم إنّ هذا الإقرار عن اضطرار فيلزم أن لا يكونوا محجوجين يوم القيامة فدفع بأنهم قالوا شهدنا يومئذ فلما زال العلم الضرورفي، ووكلوا إلى رأيهم نصبت الأدلة وأرسلت الرسل ليتيقظوا عن سنة الغفلة، ولا يغيب عنهم ما أخذ عليهم من العهد فإن قالوا أيدنا يوم الإقرار بالتوفيق والعصمة، وحرمناهما بعده فمشترك الإلزام لأنه إذا قيل لهم ألم نمنحكم إ أحقول والبصائر لهم أن يقولوا حرمنا اللطف والتوفيق، فأفي منفعة لنا بذلك وبهذا سقط ما تشبث به بعض شراح المصابيح هنا، وأما كيفية هذا الإخراج وأنه من المسامّ وأنّ الله خلق فيهم عقلا كنملة سليمان صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك مما يسأل عنه فالحق أنه من العلوم المسكوت عنها المحتاجة إلى كشف الغطاء، وفيض العطاء وأنشد هنا بعض العارفين:
لويسمعون كما سمعت كلامها حض والعزة ركعا وسجودا
وقال الإمام السهروردفي في عوارف المعارف قيل لما خاطب الله السماوات والأرض بقوله:{اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [سورة فصلت، الآية: ١١١ نطق من الأرض وأجاب موضع الكعبة ومن السماء ما يحاذيها، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما أصل طينة رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرّة الأرض بمكة فقال بعض العلماء وهذا يشعر بأنّ أوّل ما أجاب من الأرض ذرّة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، ومن موضع الكعبة دحيت الأرض! فصار رسول الله لمجي! هو الأصل في التكوين والكائنات تبع له والى هذا أشار رسول الله مجخي! بقوله: " كنت نبياً وآدم بين الماء والطين ") ١ (وفي رواية بين: " الروح والجسد ") ٢ (وقيل بذلك سمي أمّيا لأنّ مكة أمّ القرى،
وذرّته أمّ الخليقة وتربة الشخص مدفنه، وكان يقتضي ذلك أن يكون مدفنه ئيخير بمكة حيث كانت تربته منها، ولكن قيل الماء لما تموّج رمي الزبد إلى النواحي فوقعت جوهرة النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى ما يحاذي تربته بالمدينة، والإشارة إلى ما ذكرناه من ذرّة رسول الله عقرو هو ما قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ}[سورة الأعراف، الآية: ١٧٢] ، الآية وورد في الحديث: " إنّ الله تعالى مسح ظهر آئم وأخرج ذزيته منه كهيئة دز واستخرج الذز من مسام الشعر فخرج الذر كخروج العرق " (١ (وقيل كان المسح من بعض الملائكة عليهم الصلاة والسلام فأضاف الفعل إلى المسبب، وقيل معنى القول بأنه مسح إنه أحصى كما تحصى الأرض المساحة وكان ببطن نعمان واذ بجنب عرفة بين مكة والطائف فلما خاطب الذر وأجابوا ببلى كتب العهد في رق أبيض، وأشهد عليه الملائكة عليهم الصلاة والسلام، وألقم الحجر الأسود فكانت ذرة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي المجيبة من الأرض اهـ. قوله: (وتد حققت الكلام فيه في شرحي لكتاب المصابيح) قال فيه وظاهر الحديث لا يساعد ظاهر الآية فإنه تعالى