الأوامر، وما في الآية تعميم بعد تخصيص، وإنما قدم ما يدلّ على الاحتراز لذكر الأنفال التي هي مظنة الغلول، ثم الإصلاج لمناسبته للقصة. قوله: (أي الكاملون في الإيمان (إنما قيده وفسره به للحصر إذ لو لم يذكر اقتضى إن من ليس كذلك لا يكون مؤمنا وليس كذلك وعلى الوجه الأوّل لا يكون عين النكرة فإنها إذا أعيدت معرفة لا يلزم أن تكون عينها لأنه أغلبي، وعلى الثاني فهي عينها، وقال النحرير: جعل اللام إشارة إليهم جرياً على ما هو الأصل في اللام، وهو العهد سيما وقد انضم إليه قرينة لاحقة من قوله:{أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} بلفظ أولئك الصريح في الإشارة إليهم وتعريف الخبر وتوسيط الفصل مع القطع با! أصل الإيمان لا ينحصر في المذكورين. قوله: (فزعت لذكره (أي خافت من الله كلما ذكر، أو خافت إذا أرادت معصية فذكرت الله وعقابه، وانتهت عما همت به فهو على الأوّل عامّ وعلى هذا خاص وقوله يهتم بكسر الهاء من الهم بالشيء أي العزم عليه، وينزع مضارع نزع نزوعا إذا انتهى، وك! وأصله بمعنى القلع وفي نسخة فيفرغ من الفراغ والمراد به ذلك أيضا، ووجل بالفتح يجل لغة والأخرى وجل بالكسر يوجل بالفتح وفي مضارعه لغات، والفرق بمعنى الخوف معروف، وقال أهل الحقيقة الخوف على قسمين خوف العقاب وهو للعصاة وخوف الجلال والعظمة فإن العبد الذليل إذا حضر عند ملك عظيم يهابه وهذا الخوف لا يزول عن قلب أحد، والمصنف رحمه الله حمله في الآية على القسمين معا فإن قلت جعل ذكر الآيات مقتضيا للوجل، والإضطراب وفي قوله:{أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} اسورة الرعد، الآية: ٢٨] ما يخالفه قلت قد فرقوا بين الذكرين فإنّ أحدهما ذكر رحمة والآخر ذكر عقوبة فلا منافاة بينهما. قوله: (لزيادة المؤمن به الخ (اختلف في الإيمان هل يزيد وينقص أو
لا على أقوال فقيل لا يزيد ولا ينقص، وقيل يزيد وينقص لأنّ الأعمال داخلة فيه فيقبل ذلك بحسبها، وقيل نفس التصديق يقبل الزيادة قوّة وضعفا، ولما ذكر في الآية زيادته نزلها على الأقوال فمن قال لا يزيد ولا ينقص، قال إنّ ذلك باعتبار متعلقه، وهو المؤمن به على بناء المفعول، ومن قال إنّ اليقين نفسه يقبل ذلك قال لقوّة الأدلة ورسوخه ولا شك أنّ إيمان أحد العوام ليس كإيمان الصذيقين، ولذا قال عليّ كزم الله وجهه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا، وقد رجح هذا النحرير والعلامة، ومن قال إنّ الأعمال داخلة فيه فهو ظاهر فقوله، وهو قول الخ راجع للقول الأخير وهو العمل. قوله: (يفوّضون إليه أمورهم الخ (الأمور المفوّضة إلى الله إمّا أمور ترجى، أو أمور تخشى فلذا عطف عليه قوله ولا يخشون الخ، والحصر المذكور من تقديم المتعلق على عامله، وهو ظاهر. قوله: الأنهم حققوا إيمانهم الخ (لما كانت الإشارة بأولئك إلى الموصوفين بالصفات المذكورة بعد إنما إلى هنا، وقد تضمن ذلك وصفهم بخمسة أوصاف ثلاثة منها تتعلق بالباطن، والقلب الخوف من الله والإنقياد لطاعته المشار إليه بالإخلاص وأن لا يتوكل إلا عليه، واثنان منهما تتعلق بالظاهر الصلاة والصدقة، ثم رتب على ذلك حقية إيمانهم واستحقاقهم لمنازل الجنان بين المصنف رحمه الله ذلك وأشار إلى وجه الاقتصار عليها لأنها مكارم إفعال القلوب، ومحاسن أعمال الجوارح فتدل على غيرها فالخشية من قوله وجلت قلوبهم والإخلاص من حصر التوكل، وفي جعل تلك مكارم لأنها من كرم النفس وجودتها وهذه محاسن لتزين ظاهر المرء بها، وقوله حققوا إشارة إلى أن حقاً مصدر حق بمعنى ثبت وتحقيقه إثباته وقوله العيار من عاير المكاييل إذا قدرها ونظر ما بينها من التفاوت، والعيار على كذا بمعنى الدليل والشاهد عليه لأنه يعلم به أمر غيره كما يعرف بمعايرة المكاييل زيادتها ونقصها. قوله: (وحقا صفة مصدر محذوف الخ (أي إيمانا حقاً فالعامل فيه المؤمنون لا حق مقدراً كما قيل، أو هو مؤكد لمضمون الجملة فالعامل فيه حق مقدرا، وقيل إنه يجوز أن يكون لمضمون الجملة التي بعده أي لهم درجات حقا فهو ابتداء كلام وهذا مع أنه خلاف الظاهر إنما يتجه على القول بجواز تقديم المصدر المؤكد لمضمون الجملة عليها، والظاهر منعه كالتأكيد وقد ذكر الزمخشرقي هنا أنه تعلق بهذه الآية من يستثنى في الإيمان، وكان أبو حنيفة رحمه الله ممن لا يستثنى فيه، وهي مسألة الموافاة المشهورة، ولكونه متعلقآ بهذه الآية وجه بعيد، ولذا أنكره العلامة