ومنشأ بطريق التسبب لأنّ الولد يتكوّن ويوجد بعه أمّه، ولذلك سميت أساساً لتوقف بقية البناء وابتنائه عليه، ووجوده بعده وبهذا التقرير سقط ما في بعض الحواشي من الأوهام مثل ما قيل من أنّ المبدأ يقال للجزء الأوّل، ولما منه ذلك الشيء، والفاتحة مبدأ بالمعنى الأوّل، وأمّ بالمعنى الثاني، فجعل هذا وجها لتسميتها أمّا غير مرضي، وكذا ما قيل أنه لا فائدة لذكر الأصالة والمنشئية إذ ليس في الفاتحة سوى المبدئية، وان كانتا موجودتين في المنقول عنه، وهي الوالدة والأمّ في اللغة الأصل، ومنه قيل للوالدة: أصل وحينئذ لا يناسب ذكر كان، لأن الجزء الأوّل من الشيء أصل ينبني عليه باقي الأجزاء من حيث أنها أجزاء متأخرة انتهى.
وقيل: إنها سميت اماً لجمعها كل خير كأمّ الدماغ الجامعة للحوأس، أو لأنها مفزع أهل الإيمان كما تسمى الراية أمّا وركاكته ظاهرة، فإن قلت: زعم بعض فضلاء العصر أنّ قوله في الكشاف، وتسمى أمّ القرآن لأنّ أم الشيء أصله وهي مشتمدف على كليات معاني القرآن أولى مما ذكره المصنف، لأنّ الاشتمال أنسب بالأمّ من الافتتاح، والمبتدئية بمعنى الابتداء، وان كان ما ذكره صحيحا أيضاً.
قلت: هذا وهم منه فإنّ المصنف ذكر ما في الكشاف بعينه وزاد عليه وجها آخر قدمه
عليه إشارة لأرجحيته عنده لأنّ أصل معنى القرآن والكتاب الألفاظ لا المعاني، وهو فيما اختاره باق على أصله بخلافه في الوجه الثاني فإنه محتاج إلى التجوّز أو التقدير. أي أمّ معاني القرآن، وهو بعيد كحمل القرآن على المعاني، وهذا لم ينبه عليه أحد وتنبه له.
واعلم أنّ في كلام المصنف هنا وجهين:
أحدهما: أن يكون قوله مفتتحه بيانا لوجه التسمية بفاتحة الكتاب، ومبدؤه لأمّ القرآن لفا
ونشراً. وقوله: (فكأنها الخ) بيان لمشابهته للمعنى الأصلي للامّ في المبتدئية حقيقة للمعنى العرفي وهو الوالدة فيما له زيادة خصوصية واشتهار به أعني المبتدئية، والمنشئية ادّعاء دون المتبدئية الأوّلية، وكونه مفتتحاً غنيّ عن البيان.
والثاني: أن يكون مبدؤه عطفا تفسيرياً وهما علة لقوله أمّ القرآن، وترك تسميتها بالفاتحة لظهوره.
قال الفاضل الليثيّ: وهو وجه وجيه إلا أنه مخالف لما نقل عن المصنف في حواشيه من
أنّ قوله لأنها مفتتحه تعليل لما تضمنه قوله سورة فاتحة الكتاب من الجملة الخبرية التي تقديرها تسمى فاتحة الكتاب، في هذا الوجه يكون المنقول عته بالمعنى العرفيّ أنسب، كما أنّ الوجه الأوّل بالأصليّ أنسب، وان جرى كل منهما في كل منهما. وقوله: (ولذلك) أي لكونها أصلاَ وهو ظاهر، ثم أنها تسمى أيضاً أمّ الكتاب، وفاتحة القرآن ووجهه يعلم مما مرّ، ثم أنه قيل: إن في كلام المصنف إشارة إلى أنّ التسمية بفاتحة الكتاب من قبيل تسمية المكان باسم الفاعل، وهي من فروع الإسناد إليه، واذا كان مصدراً كالعافية، فمن فروع تسمية المكان بالمصدر وجعلها من تسمية المفعول بالمصدر إذ فاتحة الشيء أوّله والفتح يتعلق به أوّلاً وبتبعيته للمجموع، فهو المفتوح الأوّل بعيد إذ تسمية المفعول بالمصدر غير مشهورة، وقيل: فاتحة الشيء، وأوّله آلة لفتحه، وهو من تسمية الآلة بالفاعل كالباصرة والسامعة، وعلى اشتقاقها تاؤها للنقل لا للتأنيث بتقدير طائفة فاتحة ولا للمبالغة لقلة مجيئه في غير صيغ المبالغة، وعدم مناسبته هنا وجعله من النسب كتامر بعيد غير مسموع إذ هو مقصور على السماع انتهى.
ولا يخفى ما فيه من التعسف، لأنه ليس بمكان حقيقيّ، فنقل اسم الفاعل إلى المكان المتجوز به عن الأوّل مع صحة تسمية الأوّل فاتحاً لحصول الفتح به تطويل بغير طائل، وقد مز ما فيه غنية عنه، والذي حمله على هذا قوله مفتتحه. قوله: (أو لأنها تشتمل على ما فيه الخ (في بعض الحواشي أن المراد جميع ما فيه يعني ادّعاء واجمالاً ويأباه قوله فيما بعد أو على جملة معانيه إلا أن يكون تفنناً في التعبير، والذي في الحواشي الشريفية وغيرها تفسيره بأصول ما فيه، ومقاصده، وهو الظاهر فلا يرد عليه أن فيه القصص وغيرها، وان قيل إنها ترجع لما ذكر لما فيها من العبرة والإتعاظ، وهذا هو الوجه الثاني لكونها اً مّا. وعليه اقتصر في الكشاف كما مرّ. قوله: (والتعبد بأمره ونهيه (أي التكليف، وهو في إياك نعبد لأن العبادة قيام العبد بما تعبد به من امتثال الأوامر واجتناب النواهي كما قيل، وأورد عليه أق في قوله إياك نعبد التنسك الذي هو وصف العبد لا التكليف، وأجيب بأنه بناء على أنه على لسان العباد تعليما لهم