فلا وجه لما قيل إنه على هذا غير متصل بما قبله، فالوجه حمل القراآت الأخر عليه ليتوافق ولا داعي للتكلف في دفعه بأنه إن أراد الاتصال المعنوي فهو موجود لجواز كون ضمير ذكر لكهيعص! كما في الماضي وان أريد في الإعراب فليس بلازم مع أنه يجوز جعله خبراً له بالتأويل المشهور في الإنشاء إذا وقع خبراً وكله تعسف مستغنى عته. قوله:(مفعول الرحمة (على أنها مصدر مضاف لفاعله والمصدر وضع هكذا بالتاء لا أنها للوحدة حتى يمنع من العمل لأنّ صيغة الوحدة ليست الصيغة التي اشتق منها الفعل فلا تعمل عمله كما نص عليه النحاة، وقوله: على الاتساع أي التجوّز في النسبة وقوله: بدل أي بدل كل من كل والفرق بينه وبين عطف البيان ظاهر. قوله: الأنّ الإخفاء والجهر عند الله سيان (أصل النداء رفع الصوت وظهوره، وقد يقال لمجرّد الصوت بل لكل ما يدل على شيء وان لم يكن صوتا كما حققه الراغب فلا يرد عليه إنّ النداء يستلزم الرفع والظهور فيلزم الخفاء سواء كان بمعنى المخافتة والسرّ المقابل للجهر كما يشير إليه كلام المصنف أو بمعنى الخفاء على الناس وان كان جهراً في مكان خال عنهم كما يشير إليه قوله: لئلا يلزم الخ قيل: ولدفع هذا الإيراد فسره الحسن بنداء لا رياء فيه فجعل الخفاء مجازاً عن الإخلاص وعدم الرياء والوجه أنه كناية مع أن قوله: وظهوره قد يجعل عطفا تفسيريا للرفع ويكفي في الظهور اطلاع من ناداه عليه وهو يعلم السرّ وأخفى ولذا قيل:
يا من ينادي بالضمير في! سمع
وأشير إلى كونه خفيا ليس فيه رفع بحذف حرف النداء في قوله: قال رب والإخبات بالخاء المعجمة والباء الموحدة والمثناة الفوقية الخشوع وابان الكبر بكسر الهمزة وتشديد الموحدة وفته وقد مر في آل عمران إنّ سنه كان تسعا وتسعين وسن امرأته ثمانياً وتسعين فهو قول آخر، وقوله: تفسير للنداء أي بيان لكيفيته، فالجملة لا محل لها من الإعراب. قوله: (وتخصيص العظم) أي بالوصف بالضعف دون بقية البدن مع أنه المراد لأنه يدل على ضعف غيره بطريق الكناية، وهي أبلغ من التصريح والدعامة بكسر الدال العمود الذي يوضمع عليه البناء والخباء فهو استعارة تصريحية، أو مكنية والمراد بما وراءه غيره. قوله: (وتوحيده (أي إفراده دون جمعه، قال في الكشاف: ووحده لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية وقصده إلى أنّ هذا الجنس الذي هو العمود والقوام وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن ولو جمع لكان قصداً إلى معنى آخر وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه، ولكن كلها وقال السكاكيّ: إنه ترك جمع العظم إلى افراد لطلب شمول الوهن العظام فرداً فرداً لا حصول وهن المجموع دون كل فرد يعني يصح إسناد الوهن إلى صيغة الجمع نحو وهنت العظام عند حصول الوهن لبعض منها دون كل فرد، ولا يصح ذلك في المفرد، واختلف علماء المعاني في أنه هل بين مسلكيهما فرق أم لا وفي أيهما أرجح على ما فصل في شرح التلخيص والمفتاح وتبعهم شراح الكشاف هنا فذهب السعد إلى الفرق بينهما والى أنّ الحق مسلك الزمخشري تبعا للمدقق في الكشف ولم يرتض ما ذهب إليه الشارح العلامة ومن تبعه فقال الوجه: ما في الكشاف وهو أنّ الواحد هو الدال على معنى الجنسية وقصده إلى أن الجنس الذي هو العمود والقوام وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن ولو جمع لكان قصدا إلى معنى آخر وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه ولكن كلها يعني لو قيل: وهنت العظام كان المعنى أنّ الذي أصابه الوهن ليس هو بعض العظام بل كلها حتى، كأنه وقع من سامع شك في الشمول والإحاطة لأنّ القيد في الكلام ناظر إلى نفي ما يقابله وهذا غير مناسب للمقام فهذا الكلام صريح في أن وهنت العظام يفيد شمول الوهن لكل من العظام بحيث لا يخرج منه البعض وكلام المفتاح صريح في أنه يصح وهنت العظام باعتبار وهن بعض العظام دون كل فرد فالتنافي بين الكلامين واضح، وتوهم أنه لا منافاة بينهما بناء على أنّ مراد الكشاف أنه لو جمع لكان قصداً إلى أنّ بعض عظامه مما يصيبه الوهن والوهن إنما أصاب الكل من حيث هو هو والبعض بقي في سوء الفهم وقلة التدبر، وهذا الخلاف مبنيّ على أنّ الجمع المعرّف شامل عمومه لكل فرد فرد، وهو الحق عندهم على ما مرّ تفصيله في سورة البقرة والتعريف هنا محمول على الاستغراق بقرينة الحال فلا يتوهم أنه