للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منهم ظنونا أي مظنونات، وقوله لنقصان علمهم الضمير للشياطين أو للأفاكين. قوله: (كما جاء في الحديث الخ) هو مختصر من حديث مروفي في الصحيحين عن عائثة رضي الله عنها قالت: " سأل ناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال لهم: ليسوا بشيء قالوا: يا رسول الله فإنهم يحدّثون أخبارا بالشيء يكون حقاً فقال صلى الله عليه وسلم: تلك الكلمة يحفظها الجني فيقرها في أذن وليه قرّ الدجاجة قيخلطون بها كثر من مائة كذبة " وقوله فيقرها بفتح الياء وكسر القاف من قرّت الدجاجة إذا صوّتت صوتا منقطعا وقرّه يقره إذا سارّه وهو من الأوّل والمعنى يسمعه إياها، ووليه من يواليه وقوله مائة كذبة وقع في نسخة كلمة. قوله: (ولا كذلك محمد صلى الله عليه وسلم) معطوف على قوله الأفماكون الخ، يعني أنهم يكذبون ويذكرون أمورا متخيلة موهومة، وهو صادق فيما يخبر به متيقن له وقوله لقوله الخ يعني أنّ الضمير لكل أفاك وهم كلهم كاذبون لا أكثرهم، والمقام يقتضي التعميم وقوله والأظهر لأنّ كون الأكثر بمعنى الكل بعيد يعني المراد بالكذب ما وقع في حكايتهم عن الجن فإنّ ما ينسبون لهم كذب عنهم في اكثر وقد يصدقون في النقل عنهم، ويجوز أن يكون هذا في مطلق أقوالهم فإنّ من اعتاد الكذب لا يتركه غالبا. قوله: (وقيل الضمائر أي في قوله يلقون الخ) فالمراد إنّ الشياطين يلقون السمع أي يستمعون إلى الملأ الأعلى من الملائكة قبل الرجم، والطرد فيختطفون أي يتلقون بسرعة لخوفهم من الشهب أو السمع بمعنى المسموع منهم ومرضه لأنّ المقام في بيان من تنزل عليه الثياطين، لا بيان حالهم وأمّا دلالته على الوجه الثاني فليست بلازمة حتى يضعفه لفواتها كما قيل، وقوله إذ يسمعونهم من الأسماع تعليل لكذبهم بأنهم لا يسمعون اولياءهم لخيانتهم فيتعمدون الكذب، أو هو لقصور فهمهم عنهم أو قصور ضبطهم وحفظهم

لما يسمعونه منهم، وقوله إفهامهم مصدر من الأفعال أي كذبهم لقصور إفهامهم ما يلقونه لأوليائهم، وقوله: {وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} على الوجهين وكونه للثاني أظهر. قوله: (أبطل كونه عليه الصلاة والسلام شاعرا) كما أبطل كون ما يأتي به قبيل الكهانة كما سيشير إليه وان كان الضمير في قوله ألم تر أنهم للغاوين فالتقرير ظاهر، وكذا إن كان للشعراء فليس الأنسب حينثذ كونه دليلاً آخر كما قيل والغاوي من غوي إذا ضل، وهو بمعنييه مناسب لما بعده، والوادي معروف والمراد به هنا شعب القول وفنونه وطرقه وشجونه، والهيام أن يذهب المرء على وجهه من عشق أو غيره وهو تمثيل كما في الكشاف والمعنى يخوضون في كل لغو من هجو ومدح، وقوله لأنّ الخ تعليل لكون اتباعهم غيا، والنسيب بنون وسين مهملة ذكر محاسن الحسان، واظهار التعشق والهيام بها والحرم جمع حرمة وهي المرأة المحرّمة على غير زوجها، والغزل التغزل والتلهي بصفات النساء وذكر الميل لهن، والابتهار الكذب بادّعاء الوصول إلى محبوبته قال الأعشى:

قبيح بمثلى نعت النتا ة إمّا ابتهاراً وامّا ابتيارا

وفي شرح ديوانه الابتهار أن تقول فعلت بفلانة وأنت لم تفعل والابتيار أن تقول فعلت

وقد فعلت اهـ وتمزيق الإعراض! استعارة للغيبة بما يقدح في عرض أحد، والإطراء المبالغة في المدح. قوله: (وإليه أشار بقوله الخ) لأنّ قوله يقولون ما لا يفعلون كناية عن أنهم يكذبون فلا يرد أنه لا إشارة فيه إلى مدح من لا يستحق المدح والإطراء، ولا حاجة إلى الجواب بأنّ الفعل عام للقلبي والمدح المذكور فيه إظهار لخلاف ما لا يعتقد ولا إلى القول بأنّ المراد الإشارة إلى جنس ما ذكر. قوله: (وكأنه لما كان إعجارّ القرآن الخ) الظاهر أنّ إعجازه من جهة المعنى مطابقته لمقتضى المقام، واشتماله على الأخبار بالمغيبات وأمّا من جهة اللفظ فظاهر، واذا كان مما تنزلت به الشياطين اشتمل على الأكاذيب فينا في صحة معناه، وإذا كان من جنس كلام الشعراء لم يكن لفظه معجزا ولا معناه حقا، وتوله على التخفيف أي من الأفعال وقوله تشبيها لبعه بعضد أي في ضم ثانيه والضمّ ثقيل فإذ! كان بعد الكسر فهو أثقل ومنافاته للأوّل بقوله: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} ومنافاته للثاني بقوله: {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} الخ والمكافحة

المدافعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>