كان ظلوماً جهولاً بتقدير إن لم يراع حقا فلا يأباه كما قيل مع أن قوله بتعظيم الطاعة يدفعه فتأمّل. قوله:(وسماها) أي الطاعة أمانة ظاهره أنّ الأمانة مستعارة هنا للطاعة، وليس بمراد بل هو بيان لحاصل المعنى على الوجهين وسياتي الكلام عليهما، وقوله والمعنى الخ شروع في بيان معنى الآية وما فيها من الاستعارة وقد قرّره الزمخشري على وجهين وله ولشراحه فيه كلام طويل الذيل، والذي ارتضاه المدقق في الكشف أنّ فيه وجهين الأوّل أنه أريد بالأمانة الطاعة المجازية ليتناول اللائق بالجماد والمكلفين والعرض والإشفاق والإباء عن الحمل أي الخيانة،
وعدم الأداء مجازات متفرّعة على التمثيل الذي مداره على تشبيه الجماد بمأمور متبادر إلى الامتثال تعريضا للأنسان بأنه كان أحق بذلك، وفيه تفخيم لشأن الطاعة بأنّ مشابهها يتسارع له الجماد لعظمة شأنه فكيف بها ونظيره ما مرّ في قوله:{اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[سورة فصلت، الآية: اا] وهو من المجاز الذي يسمى التمثيل كما نص عليه ثمة وان اختلف الغرض فيهما والثاني أريد فيه بالأمانة الطاعة الحقيقية لما كلفه الإنسان والعرض والإشفاق والإباء حقيقة والحمل بمعنى الاحتمال لا الخيانة، وحقيقة التمثيل إنه مثل حال التكليف في صعوبته وثقل محمله الخ والغرض تصوير عظم الأمانة وهو المراد بقوله ثمة، ويجوز أن يكون تخييلاً ومنه ظهر أنّ التخييل تمقيل خاص والتصوير لا ينافي كونه تمثيلاً وما لهج به بعضهم من الكناية الإيمائية وأخذ الزبدة من غير نظر لحقيقة التمثيل لا يطابق الحقيقة، والإصطلاج ولا يغني عن الرجوع لما مرّ مع تناقضه في مواضع وهذا أبسط موضع حقق المصنف فيه التمثيل فليحذ على مثاله فيما يرد من أمثاله، وهذا زبدته بعد مخضه وتبيين خالصه ومخضه وللنظر فيه مجال، ولكن لكل مقام مقال. قوله:(بحيث لو عرضت الخ) هذا هو الوجه الثاني فالمراد بالأممافة الطاعة الحقيقية، وهو استعارة مركبة وتمثيل تخييليّ على حد قولهم لو قيل للشحم أين تذهب لقال أسوّي العوج، والمراد أنّ ما كلفه الإنسان على ضعفه لو كلف هذه الأجرام حمله أبته فشبهت حالة الإنسان المحققة بحالة مقدرة مفروضة ومفرداته على حفيقتها والإشفاق الخوف مع الاعتناء. قوله:(حيث لم يف بها (أي بالأمانة، وهو إشارة إلى أنّ فيه مقدراً بعد قوله حملها أي وغذر أو لم يف، وقوله وهذا وصف للجنس الخ لأنّ منهم من وفى بما عاهد الله عليه كالنبيين الصديقين، وهذه الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا وتأكيدها لأنها مظنة للتردد. قوله: (وقيل المراد بالأمانة الطاعة الخ) يعني إنّ هذه الأجرام انقادت لأمر الله انقياد مثلها تكويناً وتسوية والإنسان لم يكن حاله كذلك وهو عاقل مكلف فالأمانة الطاعة المجازية الشاملة للإنسان والجماد وهو الوجه الأوّل وهو مختار الزجاج والمقصود تعظيم شأن الطاعة وتوبيخ الإنسان ففيه تقرير لما قبله أيضا، وهو تجوّز في مفردات عدة أو تمثيل يتفرع عليه تلك المجازات على ما مرّ في الكشف فالطاعة قبول الأمر وسرعة الانفعال، وقوله استدعاؤها أي تسخيرها كما بينه بقوله الذي يعم الخ، والمراد بالمختار ما يقابل الجماد من المخلوقات،
وقوله وبحملها الخيانة بتشبيه الأمانة قبل أدائها والمراد إتيان ما يتأتى منها ولا يخفى بعدهما. قوله:(وقيل إنه تعالى الخ) هذا التفسير نقله البغوي والطيبي عن السلف ولا بعد أن يخلق الله فيها فهما لخطابه فأجابت بأنها ميسرة لما خلقت له وأما كونها استحقرت أنفسها عن التكليف فلا يتم به الجواب. قوله:(ولعل المراد بالآمانة العقل أو التكليف) وفي نسخة والتكليف بالواو وهي أولى ليخرج الملك وعلى الأوّل تخصيص الإنسان دون الملك والجن لأن الكلام معه، وليس الأوّل ناظرا إلى كون السموات إحياء عاقلة والثاني إلى خلافه كما توهم فإنه مما لا يلتفت إليه، وهذا وجه رابع في الآية وليس من تتمة الثالث كما يتوهم، وقيل المراد بالأمانة المختصة بالإنسان وهي مظهر لصفات الألوهية، ولذا سمي بالعالم اكبر كما قيل:
وتزعم إنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
قوله: (اعتبارها بالإضافة إلى استعدادهن (أي من حيث الخصوصيات كالإعراض والصفات