وفيه نظر وأمّا كون بدل البعض والاشتمال لا بد له من ضمير يرجع إلى المبدل منه فليس بكلي لأنه إذا ظهرت الملابسة بينهما كما في قوله:{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ}[سورة البروج، الآية: ٤] استغنى عنه كما صرّحوا به، وفيه وجه آخر وهو إنّ التقدير لأنهم الخ فهو علة للوعيد. قوله:) الكروبيون أعلى طبقات الملائكة) الكروبيون جمع كروبي بفتح الكاف وضم الراء المهملة المخففة، وتشديدها خطأ ثم واو بعدها باء موحدة، ثم ياء مشددة من كرب بمعنى قرب وقد توقف بعضهم في سماعه من العرب وأثبته أبو علي الفارسي البغدادي واستشهد له بقوله:
كروبية منهم ركوع وسجد
وفيه دلالة على المبالغة في قربهم بصيغة فعول والياء فإنها تزاد لذلك وقيل الكرب أيضا
شدة القرب، وهم سادة الملائكة كما في الفائق كجبريل وإسرافيل وقال البيهقي إنهم ملائكة
والعذاب فهو عنده من الكرب بمعنى الشدّة، والحزن كما صرّج به ويجوز أخذه منه على المعنى " الأوّل أيضا لشذة خوفهم من الله وكلام المصنف على أن الكروبيين هم حملة العرش، وقال الرئيس ابن سينا في رسالة الملائكة إنهم غيرهم وعبارته الكروبيون هم العامرون لعرصات التيه إلا على الواقفوان في الموقف الأكرم زمراً الناظرون إلى المنظر الأبهى نظراً وهم الملائكة
المقرّبون، والأزواج المبرّؤون، وأما الملائكة العاملون فهم حملة العرش والكرسي، وعمار السموات انتهى. قوله؟ (مجاز عن حفظهم الخ) حمل العرس ظاهر هنا وأما ذكره الحفيف فيحتمل أن يكون استطرادا، ويحتمل أنه تفسير لمن حوله هنا لأنه بمعنى حافين وهو الظاهر، ولا مانع من حملهما على الحقيقة وهو ظاهر الأحاديث والآيات، وما ذكره كلام الحكماء وأكثر المتكلمين والمراد بالحفظ والتدبير له أن لا يعرض له ما يخل به أو بشيء من أحواله التي لا يعلمها إلا الله ولما كانت الكناية والمجاز لا يجتمعان في لفظ واحد حملوه على اللف، والنشر المرتب بجعل المجاز للحمل والكناية للحفيف والتخصيص كما قيل لأن العرش كرى في حيزه الطبيعي فلا يحتاج لحامل ففيه قرينة عقلية على منع إرادة المعنى الحقيقي، وأما الحفيف والطواف به فلا مانع من إرادته منه فيكون كناية لأنّ هذا شأنها وفيه نظر لأن عدم احتياجه له لا يصيره مجازاً لأنّ الكناية يكفي فيها إمكان المعنى الحقيقي لا إرادته منه بالفعل وهو موجود هنا فتدبر، وقوله: أولهم وجودا مثله لا يعرف إلا بسماع من أفق الوحي، وقوله الكروبيون الخ تفسير للذين يحملون العرس ومن حوله لا لأحدهما كما يدل عليه كلامه. قوله:(من صفات الجلال واكرام (بيان لمجامع الثناء وقد مرّ بيانه بأن صفات الجلال هي السلبية التي دل عليها التسبيح والتنزيه والإكرام الصفات الثبوتية، وأما قول القشيري وصف الجلال ما حقق العز والإكرام إنعام خاص والجلال ثبوت العلوّ والرفعة، وقول بعضهم الجلال صفات القهر والإكرام صفات اللطف فليس بمراد هنا. قوله: (وجعل التسبيح أصلاَ الا يخفى أنه حيث ورد في الذكر سواء كان من الملائكة أو البشر ورد هكذا فالأولى أن يوجه بأن التسبيح تحلية مقدمة على التحميد الذي هو تحلية، وإنما دلت الحالية على مقتضى حالهم لأن معناه ملتبسين بحمده فيدل على تلبسهم به قبله، ومعه وانه ديدنهم فلا يتوهم أنّ مقتضى الحال ينبغي أن يصدر ويؤسس به المقال لكنه إنما كان كذلك لأنهم يعظمون الله دائما والحمد الوصف الجميل، وإنما يقع التنزيه إذا رأوا نسبة بعض البشر له ما هو منزه عنه، ففي قولهم مقتضى حالهم لطف لا يخفى لأنه حال. قوله: (إظهاراً لفضله وتعظيماً لأهله (يعني أنّ الملائكة خصوصا الخواص منهم لا يتصوّر منهم الإيمان حتى يخبر به عنهم هنا فليس فيه فائدة الخبر ولا لازمها لأنه يفهم من تسبيحهم حامدين فدفعه بأن المقصود من ذكره مدح الإيمان وتعظيم الله لأهله وهذا في الخير نظير ما مرّ في الصفة المادحة للموصوف إنها قد تكون لمدح الصفة نفسها كما في وصف الأنبياء بالصلاج، وقوله: مساق اية لذلك أي لإظهار فضله وتعظيم أهله لأنّ دعاء الملائكة واستغفارهم يدلّ على شرفهم، ولو لم يكن القصد هذا لم يكن لذكره بين
أحوال الكفرة شأن يليق به. قوله:) كما صرّح به (أي بإظهار فضله وفضل أهله، وهو إن لم يكن صريحا لكنه لظهوره بمنزلة الصريح لأنّ دعاء الملائكة للمؤمنين تعظيم لهم بلا مرية، وتعظيمهم للإيمان بالطريق الأولى لأنهم إنما شرفوا فلا يرد عليه ما قيل إنه ليس بصريح. قوله:) وإشهاراً الخ (لأنه سبحانه