والكثير وفيه إشارة إلى وجه أفراده مع تعدد الأوصاف أو هو باعتبار ما ذكر ولذا قيل هو إشارة إلى ما ذكر من نعوتهم الجليلة، والبعد للإيذان بعلو شأنه وبعد منزلته في الفضل، وقيل: البعد باعتبار المبدأ، ولو قيل هذا التوهم أنّ المشار إليه هو الوصف الأخير أعني سيماهم في وجوههم من أثر السجود، والمراد بالسيما المذكورة نور وبياض في وجوههم يعرفون به يوم القيامة، وقيل: استنارة وجوههم في الدنيا لكثرة صلاتهم بالليل قيل: مواضع سجودهم يوم القيامة ترى كالقمر ليلة البدر، وقيل: هو صفة الوجه من سهر الليل وقيل: الخشوع حتى كأنهم مرضى وما هم بمرضى. قوله:(أو إشارة مبهمة يفسرها كزرع (الأصل في الإشارة إن تكون لمتقدم وأنما يثار إلى المتأخر إذا كان نعتاً لاسم الإشارة نحو ذلك الكتاب، وقد مرّ في سورة البقرة في قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[سورة الفتح، الآية: ٢٩] أنه قد يشار لما بعده تفخيماً له وتعظيما لشأنه كما أنّ الضمير يعود على ما بعده كذلك فتأمّل. قوله: (صفتهم العجيبة) قد مرّ تحقيقه في سورة البقرة، وقوله: تمثيل الخ فقوله: كزرع خبر مبتدأ مقدر تقديره مثلهم أو هم وهذا بناء على أنّ ذلك إشارة إلى الوصف، وقوله: أو تفسير بناء على أنّ الإشارة مبهمة، وقوله: أو مبتدأ معطوف على قوله عطف. قوله:(فراخه) بكسر الفاء جمع فرخ كفرع لفظا ومعنى يقال: فرخ الزرع إذا تهيأ للانشقاق، وأصل الفرخ ما تولد من الحيوان أو الطاثر قال الراغب الشطأة فروع الزرع وهو ما خرج منه، وتفرع في شاطئه أي جانبه وجمعه أشطاء وقوله: بتخفيف الهمزة أي قلبها ألفاً بعد نقل حركتها لما قبلها، ويحتمل أن يكون مقصوراً. قوله:(فقوّاه من الموازرة الخ) قال أبو حيان: كونه من الموازرة خطأ فإنه لم يسمع في مضارعه توازر بل توزر وهذه شهادة نفي غير مسموعة، على أنه يجوز أن يكون ورد من بابين واستغنى بأحدهما عن الآخر ومثله كثير مع أنّ السرقسطي نقله عن المازني حيث قال في أفعاله: أزرت الرجل أعنته، قال أبو عبيدة: الإزر الظهر يقال: آزرني أي كان لي ظهراً، وقال ابن الأعرابي: الإزر القوّة يقال منه: أزرني أي قوّاني قال تعالى: {أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} وقال أبو عثمان: وآزر الشيء غيره ساواه وحاذاه وأنشد لامرئ القيس:
بمحنية قدآزرالضال نبتها ببحرجيوس غانمين وخيب
ومنه قوله تعالى:{أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ} اص. قوله:(فصار من الدقة الخ) فهو كاستحجر الطين وهو ينبئ عن التدريج ويحتمل أنه للمبالغة كاستعظم، وقوله: سؤقه بالهمزة أي بإبدال الواو المضموم ما قبلها همزة كما في قراءة يؤقنون بالهمزة، وقوله: يعجب الزراع حال أي معجبا لهم وكثافة الزرع كثرة فروعه وأوراقه. قوله:(وهو مثل ضربه الله الخ) في الكشاف وهذا مثل ضربه الله لبدء أمر الإسلام وترتيه في الزيادة إلى أن قوي واستحكم لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قام وحده، ثم قوّاه الله بمن آمن معه كما يقوّي الطاقة الأولى من الزرع ما يحتف بها مما يتولد منها، وهذا ما قاله البغويّ من أنّ الزرع محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه والمؤمنون فجعلا التمثيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم وأمته والمصنف رحمه الله جعله للصحابة فقط ولكل وجهة، وعن بعض الصحابة إنه لما قرأ هذه الآية قال: تمّ الزرع وقد دنا حصاده. قوله تعالى:( {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} ) قال في المواهب: إنّ الإمام مالكا رحمه الله استنبط من هذه الآية تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة فإنهم يغيظونهم ومن غاظ الصحابة فهو كافر ووافقه كثير من العلماء اهـ، وهو كلام حسن جدّاً. قوله:(علة لتشبيههم بالزرع) أي لاتخاذه تعالى لهم على وجه يشبه الزرع في القوّة والنماء، وليس المراد به التمثيل فإنه ركيك فتدبر. قوله تعالى:( {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم} ) أخر منهم هنا عن قوله: عملوا الصالحات، وقدم عليه في آخر سورة النور لما مرّ من أنّ عمل الصالحات لا ينفك عنهم، وهو ثمة لبيان الخلفاء والعمل الصالح ليس بلازم لهم حتى لا ينعزلوا بالفسق وأرجع البغوي ضمير منهم للشطء باعتبار المعنى ولا يخفى بعده، ويجعل من بيانية سقط حجة من طعن به على الصحابة وجعلها تبعيضية، وقوله: من قرأ سورة الفتح الخ حديث موضوع وأمره مشهور تمت السورة بحمد الله ومنه.