أنفسكم أيها المؤمنون بالانتهاء عن عيبها والطعن فيها، ولا عليكم أن تعيبوا غيركم ممن لا يدين بدينكم ولا يسير بسيرتكم ففي الحديث:(اذكروا الفاجر بما فيه كي يحذره الناس) لأنه لا فرق بينه، وبين المعنى الثاني إلا باعتبار أنّ المراد بالأنفس في الأوّل غير اللأمزين من المؤمنين وجعلهم أنفسهم لتنزيل اتحاد الجنس منزلة اتحاد الذات، وفي الثاني أنفس اللامزين بالوجه المذكور قيل ولم يرتض الزمخشريّ الوجه الثاني لدلالة الحديث على صحة الوجه الأوّل، والمصنف لم يرتض ما ارتضاه لعدم ما يدل على التخصيص في النظم كما قيل والصواب ما قدمناه من أنه لقلة الفرق بينهما. قوله:(فقد لمز نفسه) أي فقد تسبب للمزها فكان كأنه لمزها والنبز، والنزب في الأصل اللعب، ثم خصه العرف بالتلقيب بما يكره الشخص وهو المنهي عنه فليس ذكر الألقاب معه مستدركا كما يتوهم ويستثنى منه ما لم يقصد به استخفاف بصاحبه وأذى له
كما إذا دعت له الضرورة لتوقف معرفته عليه كقول المحدثين فلان الأعمش والأحدب. قوله:(أي بئس الذكر المرتفع الخ) يعني الاسم المراد به هنا شيوع الذكر وشهرته من السمو كما يقال لفلان: اسم أي صيت واشتهار لا ما اصطلحوا عليه بما يقابل الكنية واللقب، وأما ما يقابل الفعل والحرف والخبر كاسم إنّ فاصطلاح حادث لا يتوهم إرادته هنا فلا حاجة لنفيه كما قيل إلا أن يريد عدم صحة إرادته هنا والمرتفع بمعنى المشتهر وعبر به لبيان وجه التجوّز لأنه من السمو وقوله: للمؤمنين تفسير لقوله بعد الإيمان. قوله:(أن يذكروا بالفسوق الخ (يشير إلى أنّ الفسوق هو المخصوص بالذم هنا، وأنّ المراد به لفظه بتقدير مضاف أي ذكر الفسوق أو اسم الفسوق، وقوله: واشتهارهم بالرفع عطف على أن يذكروا فضمير به للفسوق أو بالجرّ عطف على دخولهم فالضمير للإيمان. قوله: (والمراد به (أي بالمذكور من النظم إمّا تهجين أي تقبيح نسبة الكفر والفسق، وقوله: خصوصاً أي يخص التقبيح بالكفر والفسق لا بغيره من النبز والتلقيب مطلقا فكيف معنى قوله: ولا تنابزوا بالألقاب لا ينسبت أحدكم غيره إلى كفر أو فسق كا فيه بعد اتصافه بضده، وقوله: إذ روي تعليل لتخصيصه بما ذكر وصفية رضي الله عنها من أمهات المؤمنين وحييّ تصغير حيّ علم أبيها، والمراد بالنساء زوجاته صلى الله عليه وسلم والحديث المذكور رواه الترمذيّ والطبرانيّ وابن حبان، وقال ابن حجر: إنه غريب وكانت صفية من ذرّية هارون عليه الصلاة والسلام كما ذكره أهل السير. قوله: (أو الدلالة الخ) بأو الفاصلة في (لنسخ لا بالواو الواصلة كما قيل حتى يقال الظاهر أو بدلها وهو معطوف على قوله: تهجين نسبة الكفر الخ فهو وجه آخر يفسر فيه الآية على أنّ المراد مطلق النبز لا خصوص الفسق والكفر، ويكون معنى قوله: بثس الخ أنّ التلقيب بما يكرهه الناس أمر مذموم لا يجتمع مع الإيمان فإنه شعار الجاهلية وقوله: أن يذكروا على البناء للفاعل وضمير
دخولهم للمذكورين، أو على البناء للمفعول والضمير للذاكرين وقد ذكر الزمخشري فيه ثلاثة أوجه أحدها أن بعد الإيمان بمعنى أنه لا يجتمع مع الفسق كما يقال: بئس الصبوة مع الكبر، والثاني: بثس تشهير الناس بفسق كانوا فيه بعد الاتصاف بضده كما يقال يهوديّ لمن أسلم منهم، والثالث بئس الفسوق بدل الإيمان وهو مبنيّ على الاعتزال ولذا لم يذكره المصنف. قوله: (بوضع العصيان الخ) فإنّ الظلم وضع الشيء في غير موضعه فيراد به ما ذكر بقرينة المقام، وقوله: كونوا إشارة إلى أنّ هذا أصل معناه، ثم شاع في التباعد اللازم له، وقوله: وابهام الكثير أي تنكير. لأنه إذا وجب اجتناب كثير لا على التعيين لزم ما ذكر، وقوله: من العمليات كالواجبات الثابتة بغير دليل قطعيّ كما في كثير من الأحكام. قوله:(والهمزة فيه (أي في الإثم بدل من الواو من وثمه إذا دقه وكسره قيل عليه إنّ الهمزة ملتزمة في تصاريفه، وإن أثم من باب علم، وثم من باب ضرب وأنه ذكره في باب الهمزة في الأساس والواوي متعد وهذا لازم، وقوله: يكسرها لكونه يضرّ من يعمل به في الجملة لا أنه يحبطها قطعا حتى يكون مبنيا على الاعتزال كما توهم. قوله: (باعتبار ما فيه من معنى الطلب الخ) يعني أن الجس بالجيم كاللمس فيه معنى الطلب لأنّ من يطلب الشيء يمسه ويجسه فأريد به ما يلزمه قال تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء}[سورة الجن، الآية: ٨] أي طلبناها بدليل قوله: بعده فوجدناها واستعمل