مقيد بحال عدم دخول الإيمان في قلوبهم أي قولوا: أسلمنا ما دمتم على هذه الصفة فأفاد هنا فائدة زائدة، وهيئ توقيت القول المأمور به وتوقعه منهم بخلاف نفيه السابق فلا تكرار فيه، ولذا اختار كون الجملة حالاً لا مستأنفة إخبارا منه تعالى فإنه غير مفيد لما ذكر كما أشار إليه. قوله:(من لات ليتاً إذا نقص الخ) نقص يكون متعدياً ولازما، والمراد الأوّل هنا فلا حاجة لشديد قافه، وإن صح وهو على هذه اللغة أجوف وفي لغة غطفان وأسد مهموز الفاء وبهما قرئ في السبعة. قوله:(إذا أوقعه في الشك مع التهمة) قال الراغب: أن يتوهم بالشيء أمراً فينكشف عما يتوهمه والإرابة أن يتوهم فيه أمراً فلا يكشف عما يتوهمه والارتياب يجري مجرى الإرابة، وهو ما أشار إليه المصنف، وقيل الشك في الخبر والتهمة في المخبر فتأمّل وقوله: وفيه الخ يعني قوله: لم يرتابوا تعريض لمن نفى عنه الإيمان سابقاً بأنّ نفيه لكونهم مرتابين في الله ورسوله. قوله:(وثم للأشعار الخ (توجيه لما في النظم من أنّ عدم الارتياب لا ينفك عن الإيمان فكيف جعل متراخياً عنه وله طريقتان في الكشاف إحداهما أنّ من وجد منه الإيمان ربما يعترضه ما يوقعه في الشك فيستمرّ عليه فوصف المؤمن حقاً بالبعد عن هذه الموبقات كقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [سورة فصلت، الآية: ٣٠، والثانية أنّ زوال الريب لما كان ملاك الإيمان أفرد بالذكر بعده تنبيهاً على مكانه وعطف بثم إشعاراً باستمراره في الأزمنة المتراخية غضا طريا يعني أنه لنفي الشك عنهم فيما بعد فدل على أنهم كما لم يرتابوا، أوّلاً لم تحدث لهم ريبة فالتراخي زمانيئ لا رتبيّ على ما مرّ في قوله ثم استقاموا أو عطفه عليه عطف جبريل على الملائكة تنبيها على أصالته في الإيمان حتى كأنه شيء آخر فثم دلالة على استمراره قديماً وحديثا، والفرق بين الاستمرارين أنه على الأوّل
استمرار المجموع كما في قوله: ثم استقاموا أي استمرّ إيمانهم مع عدم الارتياب وعلى الثاني الاسنمرار معتبر في الجزء الأخير فالتنظير بقوله: ثم اسنقاموا من جهة أخرى غير التراخي الرتبي السابق ذكره فليس إشارة لجريان هذا الوجه فيه كما توهم، وقيل إنه على الأوّل ثم فيه للتراخي الرتبي إذ المعنى لم يرتابوا بعد تشكيك المشكك والثبات على الشيء أعلى رتبة من إيجاده فتنظيره على ظاهره وعلى الثاني في الارتياب يبقى في الأزمنة المتراخية فثم للتراخي الزماني باعتبار النهاية فتدبر. قوله: (في طاعتة) يعني ليس المراد بسبيل الله الغزو بخصوصه بل ما يعم العبادات والطاعات كلها لأنها في سبيله وجهته، ولذا قال والمجاهدة الخ فالمجاهدة بالأموال عبارة عن العبادة المالية كالزكاة والمجاهدة بالأنفس البدنية كالصلاة والصوم وقدم الأموال لحرص الإنسان عليها فإنّ ماله شقيق روحه وجاهدوا بمعنى بذلوا الجهد أو مفعوله مقدر أي العدوّ أو النفس والهوى. قوله:(الذين صدقوا في ادعاء الإيمان) إشارة إلى أنه تعريض بكذب الإعراب في ادعاءهم الإيمان وأنه يفيد الحصر أي هم الصادقون لا هؤلاء، وايمانهم إيمان صدق وجد. قوله:(أتخبرونه به بقولكم آمنا) فهو من قولهم علمت به فلذا تعدى بالتضعيف لواحد بنفسه، والى الثاني بحرف الجرّ لأنه بمعنى الإعلام والإخبار، وقيل: إنه تعدى بها لتضمين معنى الإحاطة أو الشعور ففيه مبالغة لإجرائه مجرى المحسوس فتأمّل. قوله:(تجهيل لهم وتوبيخ الأنهم كيف يعلمونه، وهو العالم بكل شيء وقوله: وهي أي المنة النعمة التي لا يستثيب أي يطلب الثواب والجزاء عليها وموليها كمعطيها لفظا، ومعنى وقوله: ممن يزلها متعلق بيستثيب أي يوصلها إليه، قال في القاموس: أزل إليه نعمه أسداها واليه من حقه شيثاً أعطاه اهـ، وقوله: الثقيلة ثقل المنة عظمها أو المشقة في تحملها، وقوله: من المن وهو الرطل الذي يوزن به. قوله: (أو تضمين الفعل معنى الاعتداد) أي يعذون إسلامهم منة ونعمة كما أشار إليه أوّلاً والاعتداد بالشيء الاعتبار به، وقوله: على ما زعمتم في قوله قالت الأعراب: آمنا فلا ينافي هذا قوله لم تؤمنوا حيث نفى الإيمان عنهم، وقوله: مع أنّ الهداية الخ
فالهداية مطلق الدلالة فلا يلزم إيمانهم، وينافي نفي الإيمان السابق فإن قلت: الهداية هنا ما يلازم الإيمان لقوله: إن كنتم صادقين فكيف يتجه ما ذكره في هذه المعية قلت: الإضراب يقتضي أنّ ما من به عليهم واقع، وهو الدلالة لا الاهتداء ولا يلزم تقدير الجواب من لفظ ما قبله بعينه، ومتعلق الصدق ادّعاء الإيمان لا الهداية حتى ينافيه كما توهم. قوله: