من أنه ينافي القصر على سعيه وحده، والجواب عنه يعلم مما مرّ فتأمّله، وأمّا قراءة القرآن للميت، ونحوه فقال: جماعة لا يصل ثوابها له، وقيل إنه يصل، وقيل: يصل له إذا وهب ثوابه له فينبغي أن يقول: يعده اللهم إني وهبت ثواب ما قرأته لفلان اللهم فأوصله له، ثم إن ما ذكر لا يطرد في الأعمال كلها، والوارد في الأحاديث الصحيحة في الحج والصدقة واختلف في قراءة القرآن ولا يجري في الصلاة والصوم، وما وقع في الهداية من كتاب الحج من إطلاقه في صحة جعل الإنسان ثواب عمله لغيره، ولو صلاة وصوما وأنه مذهب أهل السنة فمحتاج إلى
التحرير، وتحريره أنّ محل الخلاف في العبادة البدنية هل تقبل النيابة فتسقط عمن لزمته يفعل غيره سواء كان بإذنه أم لا يعد حياته أم لا فهذا واقع في الحج كما ورد في الأحاديث الصحيحة أمّا الصوم فلا وما ورد في حديث:(من مات وعليه صيام صام عنه وليه) وكذا غيره من العبادات فقال الطحاوي في الآثار: إنه كان في صدر الإسلام، ثم نسخ وليس الكلام في الفدية، واطعام الطعام فإنه بدل، وكذا إهداء الثواب سواء كان بعينه أو مثله فإنه دعاء وقبوله بفضله تعالى كالصدقة عن الغير فأعرفه. قوله:(يجزي العبد سعيه بالجزاء الخ) المراد بالعبد الإنسان المذكور في النظم، وفي إعرابه وجهان أظهرهما أنّ الضمير المرفوع للإنسان والمنصوب للسعي، والجزاء مصدر مبين للنوع، والثاني أنّ الضمير للجزاء، والجزاء مفسر له أو بدل منه كقوله:{وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ}[سورة الأنبياء، الآية: ٣] وأمّا قول أبي حيان: إنه إذا كان تفسيرا للضمير المنصوب فعلام ينتصب وأمّا إذا كان بدلاً ففيه إبدال الظاهر من المضمر، والصحيح منعه فليس بشيء لأنّ انتصابه على أنه عطف بيان أو منصوب بأعني مقدرا، وقد منع أبو البقاء من وصف الجزاء على المصدرية لأنه وصف بالأوفى، وهو من صفة المجزي به لا الفعل لما يلزمه من تعدي يجزي لثلاثة مفاعيل الأوّل القائم مقام الفاعل، والثاني الهاء التي هي ضمير السعي، والثالث الجزاء الأوفى، وأيضاً معناه غير منتظم إلا أن يقال الجزاء بدل من الهاء لكنه سماه مفعولاً تسمحاً، وقوله: لا الفعل ممنوع بل هو من صفاته مجازاً كما يوصف به المجزي به إذ الحقيقة منتفية عنهما كذا في الدر المصون. قوله:(فنصب بنزع الخافض) وأصله يجزي الله الإنسان سعيه فالجزاء منصوب بنزع الخافض كما صرّح به المصنف وسعيه هو المفعول الثاني، وهو يتعدّى له بنفسه نحو جزاك الله خيرا، وجزاؤه سعيه بمعنى جزائه بمثله أو هو مجاز، وقيل: المنصوب بنزع الخافض الضمير والتقدير بسعيه أو على سعيه كما في الكشاف، والمصنف عدل عنه لما فيه من زيادة التقدير فتدبر. قوله:(ويجوز أن يكون مصدرا) قد علمت ما فيه، وما أورده أبو البقاء وجوابه، وما قيل عليه من أنه لا يدفعه لأنه، وإن جوّز وصف الفعل به للملابسة فهو مجاز عقلي من غير ضرورة داعية له غير مسلم لأن وصف المجزي به كذلك، ولو قيل بأنه حقيقة ففيه تجوّز آخر، وهو زيادة الباء التي هي خلاف الأصل، وأمّا تعديته إلى المجزي بنفسه فلا يفيد لأنّ المصنف خرجه على خلافه فهو صلح من غير تراض للخصمين والإبدالى على القول بجواز إبدال الظاهر من الضمير. قوله:(انتهاء الخلائق) إشارة إلى أنّ المنتهى مصدر ميمي، وقوله: على أنه منقطع
الخ يعني أنه على قراءة الفتح داخل فيما في الصحف فإذا كسرت إنّ فليست مما فيها، وهو جملة معطوفة على ما قبلها، وقوله: لا يقدر الخ إشارة إلى الحصر المأخوذ من الضمير لتقدمه وتكرّر الإسناد فيه أو لأنه ضمير فصل على رأى، وقوله: فإنّ القاتل الخ جواب عن أن القاتل أمات من قتل فكيف تنحصر الإماتة فيه تعالى بأنّ القاتل إنما نقض البنية الإنسانية، وفرّق أجزاءها، والموت الحاصل بذلك فعل الله تعالى على سبيل العادة في مثله، ولم يتعرّض للحصر في الإضحاك، والإبكاء لظهوره عندنا، ولأنه لا يترتب عليه خلاف كغيره، ولذا لم يذكر الضمير في قوله، وأنه خلق الزوجين في النظم لأنه لا يتوهم نسبة الخلق لغيره كما في أفعال العباد. قوله:(وقاء بوعده) دفع لما يتوهم من لفظ عليه المقتضي للإيجاب الذي ذهب إليه بعضهم بأنه أوجبه على نفسه لوعده وعدا لا يخلفه فلذا قال عليه، وقوله: مصدر نشأه الثلاثي لا المزيد فهو كالكفالة في المصادر الثلاثية. قوله: (وهو ما يتأثل من الأموال (أي يبقى، ويدوم ببقاء نفسه أو أصله كالرياض، والحيوان، والبناء لأنّ المؤثل بمعنى الأصيل كما في قوله: