المهاجرين هنا مواساتهم، وعدم الاستثقال، والتبرم منهم إذا احتاجوا إليهم فالمحبة كناية عما ذكر كما قيل:
يا أخي واللبيب إن خان دهر يستبين العدوممن يحب
قوله:(في أنفسهم) يعني المراد بالوجدان الوجود في الذهن، والتصور بأن لا يكون ذلك
في أنفسهم لأنها المدركة في الحقيقة فالصدور لكونها مقر القلوب التي بها الإدراك جعل ما في العقل، والإدراك في الصدور مجازاً. قوله:(ما تحمل عليه الحاجة) فالحاجة هنا مجاز عما يتسبب عنها مما ذكر، وقيل: إنه كناية حيث أطلق لفظ الحاجة على الغليظ، والحسد والحزازة لأنّ هذه الأشياء لا تنفك عن الحاجة فأطلق اسم اللازم على الملزوم على سبيل الكناية، وقد قدّمناه أولى من هذا، وفي الكشاف لا يجدون لا يعلمون في أنفسهم حاجة مما أوتوا أي طلب محتاج إليه مما أوتي المهاجرون من الفيء، وغيره والمحتاج إليه يسمى حاجة اهـ فسر الحاجة بالمحتاج إليه، وبينه شيوع الاستعمال، وجعل من بيانية أو تبعيضية، وهي على ما ذكره المصنف تعليلية وأضمر الطلب، والحاصل لا يعلمون في أنفسهم طلب ما أوتي المهاجرون مما يحتاج إليه الأنصار لأنّ الواجدان في النفس إدراك علمي، وفيه من المبالغة ما ليس في يعلمون، وفي حذف الطلب فائدة جليلة كأنهم لم يتصوّروا ذلك، ولا مرّ في خاطرهم أنّ ذلك محتاج إليه حتى تطمح النفس إليه كذا حققه المدقق في الكشف ولكل وجهة وما قيل إنّ مسلك المصنف أولى منه فيه نظر إذ ما ذصب إليه الزمخشري ليس فيه إلا تقدير مضاف، وهو أبلغ وأنسب بالمقام، وأوفق لسبب النزول فالمراد بالطلب طلب ما يشق عليهم والحزازة بمعجمتين بعد الحاء المهملة المفتوحة أصله مرض في القلب، ويكنى به عما يضمره الإنسان من الغيظ، والعداوة وهو المراد والحسد معروف، وهو تمني زوال النعمة، والغبطة تمني مثلها من غير أن تزول وقد يكون مذموماً، وقوله: نزل عن واحدة الخ أي طلقها ليتزوّجها الآخر، وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم آخى بينهم فكان لكل واحد من المهاجرين أخ من الأنصار كما قال ابن الفارض: نسب أقرب لي من أبوي
رضي الله عنهم أجمعين، ونفعنا ببركاتهم آمين. قوله:(من خصائص! البناء الخ) يعني
أصله الخروق في البناء فكني به عن الاحتياج ثم صار حقيقة فيه، وقوله تعالى:{وَمَن يُوقَ} الخ أفرد أوّلاً ثم جمع رعاية للفظ من، ومعناها، وإيماء إلى قلتهم في الواقع عدداً وكثرتهم معنى:
فالناس ألف منهم كواحد وواحد كالألف إن أمر عنا
قوله:(هم الذين هاجروا الخ) فالمراد مجيئهم، إلى المدينة بعد مدة، والمجيء حسي، وقوله: أو التابعون ليس المراد به مصطلح المحدثين، وهو من لقي الصحابي بل معناه اللغوي، وهو من جاء بعد الصحابة مطلقاً كما صرّح به بقوله:{هُمُ الْمُؤْمِنُونَ} الخ فالمجيء إما إلى الوجود أو إلى الإيمان، وجملة يقولون حالية، والمراد بدعاء اللاحق للسابق، والخلف للسلف إنهم متبعون لهم أو هو تعليم لهم بأن يدعوا لمن قبلهم، ويذكروهم بالخير، وقوله: فحقيق الخ. بيان لارتباطه بما ذيله أتم ارتباط، وقوله: لإخواننا الخ كأنه لم يؤخره عن قوله: للذين آمنوا لأنه تفسير له، ولم يقدمه على قوله، ولا تجعل إيماء إلى أنّ الدعاء للإخوان السابق ذكرهم من غير حاجة إلى قوله: للذين آمنوا وإن وضع فيه الظاهر موضع المضمر لمدحهم بصفة الإيمان، وبيان لمقتضى الأخوّة فتأمّل. قوله:(أو الصداقة الخ) الأوّل على أنّ الأخوّة أخوّة دين، واعتقاد، وهو مستعار من أخوّة النسب، والثاني على أنه بمعنى الصداقة لأنّ الأخ في النسب يجمع على أخوة، وفي الص! داقة على إخوان في الأكثر. قوله:(في قتالكم أو خذلائكم) تفسير لقوله فيكم لأنّ المراد في شانهم، وما يتفق منه، وعدم إطاعة الرسول، والمؤمنين مخالفة أمرهم، ونهيهم وأمرهم بالقتال، ونهيهم عن نصرهم، وهو الخذلان، وقد ذكر. المصنف تبعاً للزمخشريّ بعد قوله: لا نطيع فيكم، وهو في محله ومحز.، ولا سهو فيه كما توهم، وليس محله بعد قوله: لننصرنكم، وليس المعنى لا نطيع في ترك موافقتكم في الخروح معكم فإنه زائد بعد قوله: لنخرجن معكم فلا وجه لتكثير السواد بمثله. قوله:(قإنّ ابن أبئ) يعني ابن سلول رأس المنافقين، وقوله: وفيه دليل الخ لما فيه من الأخبار بالغيب، وهو من أدلة النبوّة وأحد وجوه الإعجاز أيضاً، وهذا بناء على أنّ السورة نزلت قبل وقعة بني النضير، وكلام أهل