(أي كونه من أسماء الحروف هنا لأنه لو كان اسم جنس أو علما أعرب منوّنا أو ممنوعاً من الصرف وكتب كما يتلفظ به، وإن كان خط المصحف لا يقاس لأنه لا يرتكب ما أمكن إجراؤه على القياس! ، وكونه بنية الوقف واجراء الوصل مجراه على خلاف الأصل أيضا، ولذا قال: يؤيد دون يدل لهذا الاحتمال وأيضا يحتمل أنه اكتفى ببعض حروف الكلمة كقوله:
قلت لها قفي قالت قاف
وبينه وبين القلم غاية المنافرة. قوله: (الذي خط اللوح) المحفوظ فالتعريف فيه عهدفي، وفيما بعده جنسيّ وقوله: وأخفى ابن عامر الخ الإخفاء لغة الستر، وفي اصطلاح القرّاء صفة
للحرف بين الإظهار والإدغام عار من التشديد مع بقاء الغنة في الحرف الأوّل ومنه ظهر مفارقته للإدغام، والإخفاء للنون يكون مع غير الباء والألف، وغير أحرف الحلق الستة وأحرف يرملون الستة فهو عند خمسة عشر حرفا غير هذه، والنون تدغم مع الغنة وعدمها في حروف يرملون إذا عرفت هذا ظهر لك ما في كلام المصنف من الخلل، وإن حمل قوله: أخفى على معنى أدغم لأنه إخفاء لغوي لا اصطلاحي، وإن كان أولى من إبقائه لأنه أقل فساد أو هو المنقول في كتب الأداء عن هؤلاء أيضا فغير ظاهر إلا أن قوله: إجراء للواو المنفصل الخ لا وجه له فإنه إن أراد انفصالها بحرف آخر فليس بصحيح وإن أراد الانفصال عن الكلمة بأن تكون في كلمة أخرى فليس كونهما من كلمة واحدة شرطا عند أحد من القراء، وقوله: مع حروف الفم يعني الشفوية غير صحيح أيضا سواء أريد بالإخفاء الإدغام أو المعنى المصطلح كما عرفته، وأمّا إرادة ما يعمه ويعم القلب كما قيل فأشد فساداً، والعذر في مثله أقبح من الذنب، وقوله: كص وتوجيهه مفصل فيها. قوله:(على التعظيم الأنه واحد فالتعبير عنه بضمير الجمع تعظيما له وأما على الثاني وأرادة جنس ما به الخط فهو متعدد لكنه ليس بكاتب حقيقة بل هو آلة للكاتب فالإسناد إليه إسناد إلى الآلة مجازاً والتعبير عنه بضمير العقلاء لقيامه مقام العقلاء وجعله فاعلا، وقوله: لأصحابه معطوف على قوله: للقلم فالضمير راجع إلى الكتبة أو الحفظة المفهومين من القلم لا لأنه أريد بالقلم أصحابه تجوّزاً أو بتقدير مضاف معه، وأصحابه المؤمنون، وإذا أريد الحفظة لا يتعين أن يراد بالقلم ما خط اللوح كما توهم، وكونه لما وهي بمعنى من تكلف بارد. قوله: (والمعنى ما أنت الخ) أي انتفى عنك ذلك في حال كونك منعما عليك بأعظم النعم وقريب منه جعل الجار والمجرور متعلقاً بالنفي كالظرف اللغو، والحصافة بالحاء والصاد المهملتين الاستحكام والجزالة، وقد جوّز فيه كونه قسماً متوسطاً في الكلام لتأكيده من غير تقدير جواب أو يقدّر له جواب يدلّ عليه الكلام المذكور كما ذكره في سورة الطور. قوله:(وقيل مجنون) أي العامل في الحال مجنون كما ذكره الزمخشري وقوله: والباء لا تمنع الخ لأنّ معمول المجرور سواء كان بالحرف أو بالإضافة لا يتقدم عليه كما ذكره النحاة لكنها لكونها زائدة هنا لم تعد مانعا، وقوله: وفيه نظر اعتراض عليه فيما اختاره لأنه يقتضي أن انتفاء الجنون عنه في هذه الحالة، وقد لا ينتفي في غيرها وكونها حالاً لازمة كما ذكره المعرب لا يدفع الإيهام ولا يخفى أنه وارد على ما اختاره المصنف أيضا، وقيل في وجه النظر إنه نفي داخل
على مقيد فإئا أن يكون لنفي القيد فقط أو مع المقيد وأما كونه لنفي المقيد فقط فلم يرد في كلامهم فيقتضي نفي الجنون والإنعام عليه، أو نفي الانعام وثبوت الجنون وكلاهما غير صحيح هنا، وقد قيل عليه إنّ المتبادر من نحو ما زيد بقائم ضاحكا نفي القيام في هذه الحالة لا نفي تلك الحالة في غير القيام فيجوز قيامه في غيرها فإذا كان المحكوم به لازما لتلك الحالة لزم من نفيه نفيها والجنون غير لازم للنعمة إلا أن المتبادر في المثال ثبوت القيام مع نفي الحال ولا يمكن اعتباره هنا لأن نفي الجنون في حالة النعمة، وهي لا تنفك عنه فيلزم انتفاء الجنون ضرورة اهـ، ولا يخفى أنه كلام مضطرب لا حاصل له وقد مرّ تحقيقه وأن الجملة الحالية والحال مطلقا إذا وقعت بعد النفي إنما يلزم انتفاء مقارنتها لذي الحال لا نفيها نفسها لأنه لا يلزم من نفي الشيء في حال نفي تلك الحال ألا تراك تقول ما جاءني زيد وقد طلع عليه الفجر فقد نفيت مجيئه مقارنا لطنوعه ولا يقصد نفي طلوعه، وكذا إذا اعتذرت عن ترك زيارة صديق لما في الحال من الضيق فقلت: لا أزورك مملقا ولا أراه يشتبه على أحد حاله، وفي الكتاب المجيد {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}