وما ذكر لازم من تفجيرها لأنّ معناه فتحها
وشق جوانبها فيلزم ما ذكره فلا وجه لما قيل من أنه لا يدل عليه النظم وأنه مأخوذ من الأثر. قوله:) قلب ترابها) يعني أزيل التراب التي ملئت به، وكان حثى على موتاها فانفتحت وخرج من دفن فيها وهذا معنى البعثرة، وحقيقتها تبديد التراب أو نحوه وهو إنما يكون لإخراج شيء تحته فقد يذكر ويراد معناه ولازمه معاً كما ذكره المصنف رحمه الله في هذه السورة، وقد يتجوّز به عن البعث والإخراج كما سيأتي في سورة العاديات حيث فسره بالبعث، والفارق بينهما أنه أسند هنا للقبور فكان على حقيقته وثمة لما فيها فكانت مجازا عما ذكر، ومن لم يقف على مراد المصنف رحمه الله زعم أنه مشترك بين النبش والإخراج وذهب بعض الأئمة كالزمخشري والسهيلي إلى أنه مركب من كلمتين اختصارا ومثله كثير في لغة العرب، وشممى نحتا وأصله بعث وأثير أي حرك وأخرج وله نظائر كبسمل، وحوقل ودمعز أي قال بسم الله ولا حول ولا قوّة إلا بالله وأدام الله عزه فعلى هذا يكون معناه النبش، والإخراج معا ولا يرد عليه أن الراء ليست من أحرف الزيادة كما توهمه أبو حيان فإنه فرق بين التركيب، والنحت من كلمتين والزيادة على بعض الحروف الأصول من كلمة واحدة كما فصله في المزهر نقلا عن أئمة اللغة ولكونه خلاف المألوف مرّضه المصنف رحمه الله فتدبر. قوله: (من عمل أو صدفة الخ) قد مرّ من المصنف رحمه الله في سورة القيامة تفسيره لما قدم بما عمله، ولما أخر بما لم يعمله أو ما قدم ما عمل، وما أخر ما سنه من حسنة أو سيئة أو ما قدم الصدقة وما أخر ما
خلفه من متروكاته أو هما أوّل عمله وآخره فهذه وجوه أربعة، وقد اختصرها هنا على أوجز
وجه، ومن لم يتأمّله ظنه مخالفاً لما مرّ والعمل شامل لثلاثة أوجه والصدقة للرابع فتدبر.
قوله: (من سنة أو تركة) السنة بضم السين، والنون المراد به ما سن عمله للناس من حسنة أو
سيئة وما في النسخ من الياء التحتية والهمزة تحريف من الناسخ، وهو مقابلة للعمل بمعنيين
أعني ما عمله بنفسه أو أوّل ما عمله، وقوله: تركة اسم بمعنى متروك مقابل لقوله: صدقة
وكونه ماضيا من الترك ناصبا الضمير ما أو مصدر مضاف للضمير لا وجه له لاحتياجه للتكلف،
ولما بقي وجه أشار إليه بقوله: ويجوز الخ فما قدم ما عمله من الحسنات الداخلة في قوله من
عمل، وما أخر ما فرط فيه فلله در المصنف رحمه الله في حسن سبكه. قوله: (أيّ شيء
خدعك الخ) أصل معنى الغرور ما دعا الإنسان إلى ارتكاب ما لا يليق لمال أو جاه أو شهوة
وماكه ما ذكره المصنف رحمه الله وقد اختلف في المراد بالإنسان هنا فقيل المراد به الكافر،
وقيل: الأعم الشامل للعصاة والثاني أرجح كما في الكشف، وغيره لوقوعه بين مجمل
ومفصل، وأمّا قوله: بل تكذبون الخ فإمّا ترشيح لقوّة اغترارهم بايهام أنهم أسوأ حالاً من
الكافرين تغليظاً، أو لخطاب الكل بما وجد فيما بينهم وعلى هذا ينزل قول المصنف رحمه الله
إضراب عما هو السبب الأصلي، الخ فلا وجه لما قيل إنه غير مناسب للعموم الراجح كما
سنوضحه ثمة. قوله: (وذكر الكريم الخ) جواب عما يتوهم من أنّ التوصيف هنا بالكرم غير
ملائم للمقام إذ الظاهر الوصف بما يمنع الغرور كالانتقام، والقهر بأنّ هذا أبلغ لأنّ محض
الكرم لا يمنع مجازاة الجاني ولا يقتضي إهماله بل ينافيه وأنما المقتضى له الجهل أو العجز،
وقوله: وتسوية الموالي الخ ترق في اقتضاء الكرم خلاف ما يتوهم فإنه لو سوى بين المطيع
والعاصي لم يكن الإحسان والكرم في موقعه عند الممنون عليه، ألا ترى لو أنّ صديقاً لك
أحسن إليك بشيء، ثم أعطى مثله لعدوّ له تلاشت المنة، واضمحلت الصنيعة، ولذا قيل: إنّ
الكرم إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي وذم بقوله:
يعطي ويمنع لا بخلاولاكرما لكنها خطرات من وساوسه
وقوله: فكيف الخ لأنه حينئذ يكون المانع عنه أكثر وأقوى. قوله: (والإشعار الخ) بالجرّ
معطوف على المبالغة وفي نسخة والاشتغال الخ وهو معطوف على الاغترار أي للمنع عن
الاغترار والاشتغال بما ذكر وقوله: فانه يقول أي كقول بعض شياطين الإنس:
تكثرما استطعت من المعاصي ستلقى في غدرباً غفورا
تعض ندامة كفيك مما تركت مخافة الذنب السرورا