في الدنيا الذي صار هباء منثورا في الآخرة فيومئذ متعلق بخاشعة، والتقييد به لما عرفته من التهكم وهذا وإن كان خلاف الظاهر، ولذا أخره المصنف لا تعقيد فيه لظهور القرينة لأنّ العمل لا يكون في الآخرة كما لا يخفى، ولذا لم يتعرّض المصنف لكون عاملة ماضيا وناصبة مستقبل كما في الكشاف لما فيه من البعد. قوله:) تدخلها) فيه تسمح لأنّ
الدخول إنما يتعدى إلى مكانها وأصلاه بمعنى أحرقه، وقوله: للمبالغة المستفادة من تكثير البنية والتفعيل، وقوله: متناهية في الحرّ من حميت النار إذا اشتد حرّها. قوله:(بلغت إناها في الحرّ) أي غايتها فيه كقوله: حميم آن وأناها بفتح الهمزة والمد والكسر، والقصر بمعنى الغاية كما في القاموس وغير. ووزن آنية هنا فاعلة، وأمّ آنية في سورة الإنسان فجمع إناء كوعاء لفظاً ومعنى ووزنه أفعلة والأصل أأنية بهمزتين ولذا أميلت الألف هنا لم ويملها أحد هناك فاحفظه. قوله:(يبيس) فعيل من اليبس وهو معروف والشبرق بزنة الزبرج رطبة وهو نبت تأكله الإبل رطبا فإذا يبس تركته كما قيل في ذم من لا ينفع شابا ولا شيخا.
شباب لمن ذاقه شبرق وشيب يحاكي ضريع البوادي
وقوله: شجرة نارية أي هي من الأشجار التي خلقها الله في النار وما في بعض النسخ
بدل نارية بادية بالموحدة والدال المهملة من تحريف الناسخ، وفيه تفاسير أخر وهي على هذا استعارة كما أشار إليه بقوله: تشبه الضريع. قوله:(ولعله طعام هؤلاء الخ) إشارة إلى أن ما ذكر هنا بحسب الظاهر مناف لقوله: {وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ}[سورة الحاقة، الآية: ٣٦] ونحوه مما مرّ فيوفق بينهما بأنّ لجهنم طبقات ولأهل كل طبقة طعام وامّا أنّ الغسلين وهو الصديد في القدرة الإلهية أن يجعله على هيئة الضريع فطعامهم الغسلين الذي هو الضريع فلا يليق حمل القرآن على مثله لتعسفه. قوله:(أو المراد طعامهم) بمعنى أنّ الضريع مجاز أو كناية أريد به طعام مكروه حتى للإبل وغيرها من الحيوانات التي تلتذ برعي الشوك فلا ينافي كونه زقوما أو غسلينا وتتحاماه أي تجتنبه، وتعافه بمعنى تنفر منه وتكرهه، وقوله: كما قال الخ فإنّ وصفه بما ذكر يدل على أنه لا فائدة فيه لأنّ نفع المأكول دفع ألم الجوع وتسمين البدن فإذا خلا عن ذلك علم أنه شيء مكروه منفور عنه، وفي الكشاف إنه أريد أنه لا طعام لهم أصلا لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلا عن الناس كما يقال: ليس لفلان ظل إلا الشمس أي لا ظل له فهو تعليق بالمحال، أريد به النفي على آكد وجه كقوله: لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى وعليه يحمل قوله ولا طعام إلا من غسلين، وقوله:{إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ}[سورة الدخان، الآية: ٤٣] وبه تندفع المخالفة مطلقا وهذا وجه آخر غير ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى وكأنّ المصنف تركه لبعده عنده لا لما قيل إنه لا يتأتى في كل محل فتأمل. قوله:(لا يسمن ولا يغني من جوع (صفة ضريع أو طعام مقدر أو مستأنف لأنه لو وصف به طعام المذكور فسد المعنى لاقتضائه ثبوت ما ذكر كما قرره الفاضل اليمني في
حواشيه، وقوله: والمقصود الخ هو على الوجهين وإن كان بالثاني أنسب. قوله:) ذات بهجة (على أنه من النعومة، وكني به عن حسن المنظر أو هو من النعيم فتكون بمعنى متنعمة، وقوله: رضيت بعملها فالسعي بمعنى العمل ورضاها كناية أو مجاز عن أنه محمود العاقبة مجازي عليه أعظم الجزاء، وأنما قال: رضيت دون ترضى وإن قيل: إنه أظهر لأن مضيه بالنظر لزمان الحكم والحكم عليها بأنها متنعمة بعد مشاهدة الثواب المذكور فتدبر، وقوله: علية الخ فهو علوّ حسي أو معنوي، وقوله: يا مخاطب المراد به كل من يصلح للخطاب أو معين فعلى قراءته بالتاء الفوقية مفتوحة مع نصب لاغية هو إمّا للمخاطب، أو للغائبة المؤنثة على أن الضمير للوجوه والإسناد مجازي لأنّ السامع أصحابها، وقوله: وقرأ الخ فعلى هذا لاغية مرفوعة. قوله: (لفوا) على أنّ اللاغية مصدر بمعنى اللغو أو هو صفة كلمة وجعلها لاغية على النسب، واليه أشار المصنف رحمه الله تعالى بقوله: ذات لغوا وهو على التجوّز في الطرف أو التشبيه لأنّ الكلمة ملغو بها لا لاغية أو صفة لنفس مقدرة وجعلها مسموعة لوصفها بما تسمع كما تقول: سمعت زيداً يقول كذا، أو تجوز في النسبة أيضا كما قيل. قوله:(يجري ماؤها لا ينقطع) عدم الانقطاع من وصف العين لأنها الماء الجاري فوصفها بالجريان