وقد تقدم تحقيقه والمراد مكة على الوجهين. قوله:(يريد به الجنس) فهو شامل للمؤمن والكافر لا مخصوص بالثاني بدليل صحة الاستثناء، وإن الأصل فيه الاتصال وقوله: تعديل فسره بقوله: بأن خص الخ وقوله: بانتصاب القامة لا منكباً كالبهائم، واجتماع خواص الكائنات من المجردات المضاهى لها بروحه، والماديات المحاكى لها بجسده فكان مجمع مجرى الغيب والشهادة والنسخة الجامعة لما في رسائل إخوان الصفاء، وسائر المتون والشارح لما كان وما سيكون كما نسب لعلي كرّم الله وجهه وكأنه نظم فيه معنى ما نقل عنه وهو:
دواؤك فيك ولا تشعر وداؤك فيك وما تبصر
وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
حتى شرفه الله بأن رسم فيه بعض ما يماثل صفاته ككونه عالما مريدا قادراً مدبراً، وقال: تخلقوا بأخلاق الله لئلا يتوهم أنّ ما للسيد على العبد حرام، وبهذا فسر ابن عربي قوله:(خلق آم على صورقه) ، وقوله: نظار سائر الممكنات فجعل رأسه كالسماء وبطونها كالبروج وحواسها كالكواكب وخلق فيه قوى سبعية إلى غير ذلك وقوله: في أحسن تقويم في موضع الحال من الإنسان والتقويم فعل الله فهو بمعنى القوام أو المقوم أو فيه مضاف مقدر أي قوام أحسن تقويم أو في زائدة والتقدير قومناه أحسن تقويم. قوله:(بأن جعلناه من أهل النار) فهو منصوب على الحال من ضمير المفعول، والسافلين العصاة وغيرهم وأسفل سافل للمتعدد المتفاوت ورددنا بمعنى غيرنا حاله، وثم للتراخي الزماني أو هو رتبي كذا في الحواشي تبعاً للمعرب والظاهر أنّ المراد ما قاله النحاة كما في التسهيل من أن رد يكون بمعنى جعل فينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر كما في قوله:
فرد شعورهن السود بيضا ورد وجوههن البيض سودا
قوله:(أو إلى أسفل السافلين) فهو منصوب بنزع الخافض صفة لمكان، والردّ بمعنا المعروف وقوله: وهو النار أي محل النار أو النار بمعنى جهنم فإنها اشتهرت فيها والسافلين على هذا الأمكنة السافلة وهي دركاتها إلا أنّ جمعها جمع العقلاء حينئذ لا يخلو من التعسف وكونه للفاصلة أو التنزيل منزلة العقلاء لا يثلج الصدر، وما في الكشاف من أنّ المراد بهم أهل النار والدركات لأنهم أسفل السفل وأقبح الصور أحسن وأولى. قوله:(وقيل هو أرذل العمر (مرضه لأنه خلاف المتبادر من السياق ولما فيه من الخفاء لأنّ المراد رددناه لما يشبه حاله الأولى في الطفولية وأمّا انقطاع الاستثناء فلا محذور فيه، وقوله: فيكون الخ تفريع على التفسير الأخير والانقطاع لأنه لم يقصد إخراجه من الحكم وهو مدار الاتصال والانفصال كما صرّح به في الأصول لا الخروح والدخول كما توهم فلا يرد عليه أنه كيف يكون منقطعا مع أنهم مردودون أيفا فهو للاستدراك لدفع ما يتوهم من أنّ التساوي في أرذل العمر يقتضي التساوي في غيره، ويكون الذين حينئذ مبتدأ والفاء داخلة في خبره لا للتفريع كما في الاتصال، ثم إنّ
المصنف أشار إلى أنّ هذا التفسير على التفسير الثاني دون الأوّل ويصح أن يكون جارياً عليهما فتدبر. قوله: (حكأ مرتب الخ) أي إذا كان الاستثناء متصلا فهذه الجملة مترتبة عليه ومؤكدة له أو على غير. فهي داخلة على الخبر حيذ قيل، ولذا صدر بالفاء ولا يخفى أن الفاء في محزها على الثاني أيضاً كما عرفته. قوله:(فأيّ شيء يكذبك الخ) فما استفهامية والخطاب للنبيّ كييه، ومعنى يكذبك أما ينسبك إلى الكذب كفسقته إذا قلت له إنه فاسق والدين بمعنى الجزاء بعد البعث والباء بمعنى في أي يكذبك في إخبارك به أو سببية أو بسبب إخبارك به واثباته، أو المعنى ما يجعلك مكذبا بالدين على أنّ الباء صلته والدين بمعناه وهو من باب الإلهاب والتعريض بالمكذبين والمعنى أنه لا يكذبك شيء ما بعد هذا البيان بالدين لا كهؤلاء الذين لا يبالون بآيات الله ولا يرفعون لها رأساً والاستفهام للإنكار والتعجب، وقوله: بعد أي بعد هذه الدلائل على كمال القدرة، وهي الخلق في أحسن تقويم الخ فالتفريع بالفاء لأنّ الإنكار تسبب عن البيان المذكور وهو ظاهر من النظم كما أشار إليه المصنف وكلامه محتمل للوجهين فالقصر تقصمير، وقوله: دلالة أو نطقاً تفصيل للتكذيب على الوجهين بل