قوله تعالى:( {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} ) إيلاف مصدر ألفت الشيء وآلفته من الألف المعروف،
قال الهروفي في الغريبين: الإيلاف عهود بينهم وبين الملوك فكان هاشم يؤالف إلى ملك الشام والمطلب إلى كسرى وعبد شمس، ونوفل يؤالفان ملك مصر والحبشة قال: ومعنى يؤالف يعاهد ويصالح وفعله ا-لف على وزن فاعل ومصدره الأف بغير ياء بزنة قتال أو ألف الثلاثي ككتب كتاباً ويكون الفعل منه أيضاً آلف على وزن أفعل مثل آمن ومصدره إيلاف كإيمان ومنه يعلم وجه القراءة بالياء وعدمها. قوله:(متعلق بقوله: {فَلْيَعْبُدُوا} الخ) ولما لم تكن الفاء في جواب شرط محقق كانت في الحقيقة زائدة فلا يمتنع تقديم معمول ما بعدها كما أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى، وقوله: لأجل إشارة إلى أنّ اللام تعليلية وقوله: رحلة الشتاء الخ إن كان الآلاف من الألفة فهو مفعول به، وإن كان بمعنى المعاهدة فهو منصوب على نزع الخافض أي على أو لأجل وأفراد الرحلة لا من اللبس وظهور المعنى وأصله رحلتي الشتاء، والصيف كقوله:
كلوا في بعض بطنكمو تعفوا
واعترض عليه أبو حيان بأنه عند سيبويه مخصوص بالضرورة، وفيه نظر وقوله:
(فيتمارون) بمعنى يشترون الميرة وهي الطعام. قوله:(أو بمحذوف) معطوف على قوله: فليعبدوا والتقدير كما يدلّ عليه السياق أعجبوا {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} الخ، وتركهم عبادة الله الذي أعزهم ورزقهم وآمنهم فلذا أمرهم بعبادة ربهم المنعم عليهم بالرزق والأمن عقبه، وقرنه بالفاء التفريعية وقال مثل ليشمل تقدير فعلنا ذلك ونحو: فلا وجه لعده وجهاً آخر كما توهم. قوله:(أو بما قبله الخ) التضمين في الشعر هو أن يتعلق معنى البيت بما بعد. ويتوقف فهم معناه عليه
وهو معيب عند الأدباء فينبغي أن لا يشبه هذا به إلا أن يريد ردّه أو يريد أنه يشبهه في مجرّد التعلق، وإن لم يتعلق فهم معناه عليه فتأمّل. قوله:(فجعلهم كعصف مثول لئيلاف قريش) وعلى هذا فلا بدّ من تأويله فالمعنى أهلكهم، ولم يسلطهم على أهل حرمه ليبقوا على ما كانوا عليه، أو أهلك من قصدهم ليعتبر الناس ولا يجترى عليهم أحد فيتمّ لهم إلا من في الإقامة، والسفر وهذا لا ينافي كون إهلاكهم لكفرهم أيضا أو هي لام العاقبة، وقوله: وقرى ليألف بكسر اللام ونصب الفاء وجزمها على أنها لام الأمر بفتح اللام على لغة من فتح لام الأمر، وكلام المصنف رحمه ألله محتمل لهذه القراآت كلها. قوله:(وقريش ولد النضر الخ) قال أهل السير النضر بن كنانة هو قريش، وقيل: هو فهر وقريش اسمه وفهر لقبه، ومن لم يلد فهر فليس من قريش وعليه النساب ومن جاوز فهرا فليس من قريش أيضاً وخالف فيه الكلبيّ، وقوله: قريش هو مخلد بن النضر وهو الذي ذكره المصنف رحمه الله وسمي قريشا من التقريش، وهو التفتيش لأنه كان يفتش عن أرباب الحوائج ليقضي حوائجهم قال الحرث بن حلزة:
أيها الناطق المقرّس كأ اعندعمروفهل له إبقاء
وقيل: لتجمعهم والتقرّس التجمع، وقيل: التقرش التجارة فسموا به لتجارتهم. قوله:
(من تصغير ترس) بفتح القاف والعامّة تكسر. وهي سمكة عظيمة، وقوله: تعبث الخ أي تتعرّض لها وتريد إغراقها لتأكل من فيها وقوله: فلا تطاق يعني تشعل النار فتذهب للخوف منها كما أنّ الأسد يخاف النار، ويهرب منها والنسبة له قرشيّ، وقريشي كما في القاموس. قوله:(وإطلاق الإيلاف الخ) وجه التفخيم ما فيه من الإبهام، ثم التبيين وتقييده بالمفعول كما مرّ في وجهي إعرابه، وقوله: وقرأ ابن عامر الخ قد عرفت وجه إثبات الياء وتركها فيما مرّ وكان الأحسن أن يذكر. مقدما مع القراآت الأخر قال السمين ومن الدليل على أنّ القرّاء يعتدون بالرواية سماعاً دون رسم المصحف أنهم اختلفوا هنا في ثبوت الياء وسقوطها في الأولى مع اتفاق المصاحف على إثباتها خطأ واتفقوا على إثباتها في الثانية مع اتفاق المصاحف على سقوطها، وقد يقال: إنها رسمت في الأولى على الأصل وتركت في الثانية اكتفاء بالأولى فأشير فيهما إلى الوجهين فتدبر. قوله تعالى:( {مِّن جُوعٍ} ) من تعليلية أي أنعم عليهم وأطعمهم لإزالة الجوع عنهم فعلى التعليل يقدر فيه مضاف أو هو علة باعثة عليه فلا يرد عليه أنّ الإطعام لا يجامع الجوع كما تيل، وقيل: هي بدلية وهذا ببركة دعوة الخليل عليه