لتحققه فيه بالمعنى الحقيقي أيضاً كالعيون من الجبال والأمطار من السحاب والنبات من الأرض والأولاد من الأرحام، وقوله: يخص معطوف على قوله: يعم والضمير المستتر فيه للفلق، وقوله: ولذلك أي لاختصاصه به عرفاً، وقوله: وتخصيصه أي الصبح على هذا التفسير. قوله:(لما فيه من تغير الحال الخ) مناسبة تغير الأحوال وتبدّلها لحال المستعيد الطالب لزوال ما ألئم به من الألم ظاهرة لأنّ البيوت كالقبور والنوم أخو الموت والخارجون من منازلهم صباحا منهم من يذهب لنضرة وسروو، ومن يكون في مطالبة ديون وغموم وشرور وهكذا مما للعباد، مما هو أنموذج المعاد، والمناسبة بين هذه الحال وحال المستعيذ ظاهرة لأنها تدل على قدرة من التجأ إليه ففيها تبشير بأنه يعيذه وأيضاً من أوجده بعد العدم كيف لا يسلمه من الألم فلا وجه لما قيل من أنّ القصد للاستعاذة لا للدلالة على يوم القيامة فلا مناسبة له بالمقام، والمراد بفاتحة يوم القبامة البعث. قوله:(والإشعار بأن من قدر
الخ) مع ما بين الظلمة والمكاره من المناسبة وكون الأفكار والخوف في الليل أكثر.
ولرب ليل للهموم كدمل صابرته حتى ظفرت بفجر.
وقوله: ولفظ الرب هنا أوقع أي أنسب وأحسن موقعاً من غيره من الأسماء كالخالق،
وغيره وهو على تعميم الفلق لسائر الممكنات ظاهر لشموله للمستعيذ، والمستعاذ منه وعلى تخصيصه بالصبح أيضاً لأنه مشعر بأنه قادر مغير للأحوال ومقلب القلوب والأطوار، فيزيل الهموم وا! دار، فلا يتوهم أنه أضيف إلى الفلق فكيف يدل على ما ذكر. قوله:(من سائر أسمائه) قيل: المراد أسماؤه التي يجوز إضافتها للفلق كالخالق، والموجد فلا يرد أنّ الإعاذة رأفة ورحمة أيضا، وأمّا المالك وإن جاز إضافته فالرب أنسب أيضاً لأنّ المالك قد لا يريد التربية كمشتري الشاة للضحية، وقوله: لأنّ الإعاذة الخ جعلها نفس التربية مبالغة والمراد أنها من لوازمها ومتمماتها. قوله:(خص عالم الخلق الخ) عالم الخلق هو المجسمات والمشاهدات وعالم الأمر ما يقابله لأنه أوجد بمجرّد أمركن من غير مادة ونحوها، ويقال: عالم الشهادة وعالم الغيب والمراد بكونه خيراً كله أنه لا يصدر عنه شرفان مصدر بأمره تعالى كما يفعله ملائكة العذاب، فلم يصدر إلا الامتثال الأمر لا لقصد الشر من حيث هو شرّ فلا وجه لما قيل من أنه يجوز أن يكون ما يتوجه إلى الشخص من عالم الغيب شرّا، ولا بعد في فهم عالم الخلق من قوله: ما خلق كما قيل لأنه وإن اشتهر في كلام المشايخ والحكماء لا تأباه اللغة لأنّ غايته تخصيصه ببعض أفرأده المحسوسة، وبه فسر قوله تعالى:{أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}[سورة الأعراف، الآ-: ٥٤] فلعله ورد في لسان الشرع وعرفه. قوله:(وشرّه أختياري الخ) اللازم ما لا ينتقل عن محله والموصوف به والمتعدّي ما يقابله ومثل للأوّل بالكفر وللثاني بالظلم والمستعاذ منه الأقسام كلها فاشعاذ من أن يتصف بشيء من ذلك في نفسه أو بواسطة سريانه كما يقال طباع الشرّ تعدي، وما قيل من أنه لا يلزم من هذا التقسيم أن يكون الشرّ اللازم مستعاذا منه ليخالف ما سياتي من أنّ الاستعاذة ني هذه السورة من المضار البدنية لأنّ التقسيم ليس للمستعاذ منه، ولا معنى للاستعاذة من شرّ لا تعدى إلى المستعيذ، ولو سلم فليكن المراد مما سيأتي أنّ الاستعاذة فيها لا تختص بالإضرار العارضة للنفوس البشرية بل تعم المضار البدنية تكلف مستغني عنه وسيأتي تحقيقه. قوله:(كالكفر) مثال للاختياري اللازم وأمّا كون الكافر يستتبع ولده كما في حديث: " يهوّدانه وبنصرانه) فلا يرد لأنّ كفر الأب لم يتعدّ له،
لمانما تعدى له حكمه أو تعليمه له والمراد بالطبيعي ما خلقه الله في طبيعته فلا يقال إنه لا يوافق المذهب الحق كما توهم. قوله:(ليل الخ) فنسبة الشرّ إليه مجازية كنهاره صائم وغسق من باب ضرب وعلم، وقيل: على قوله وقيل: الشلان إنه مرضه لأنه لا يناسب ما مر في سورة ص وعم في تفسير قوله: {حَمِيمًا وَغَسَّاقًا}[سورة النبأ، الآية: ٢٥] بما يسيل من صديدهم؟ ولا شك أنه مناسب ثمة لعطفه على الحميم، وما ذكر هنا هو معنى أصل هذه المادّة وما وضعت له وهو لا ينافي استعماله فيه للمناسبة التامّة بين الامتلاء والسبيلافي فتأمّل. قوله: (انصباب ظلامه (إشارة إلى إنه استعارة هنا، وكذا هو في الامتلاء أيضاً وقوله: دخل ظلامه أصل معنى الوقب النقرة، وقد فسر بالمجيء أيضاً وكلام المصنف قريب منه، وقوله: وتخصيصه أي الليل مع اندراجه في عموم ما خلق، وقوله: لأنّ المضارّ