للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معنى آخر للباء غير التعدية مع أنّ كثيراً من النحاة ذهب إلى أنّ باء المصاحبة مع مجرورها كجاء بثياب السفر ظرف مستقرّ أبدا، وهو مضاف لما ذكر قلت من النحاة من قال: إنه لا يختص بمادّة، وليس المراد بالاستص! اب المصاحبة التي يعبر عنها بمع بل الملازمة، وعدم الإنفكاك كما أشار إليه المصنف بعطف الاستمساك بمعنى الإمساك عليه عطفاً تفسيريا وقد نقل أهل اللغة عن ابن فارس أنّ كل شيء لازم شيئا فقد استصحبه ومنه الاستصحاب عند أهل الأصول لعدم انفكاكه عما كان عليه، والذهاب بمعنى المضيّ، ويستعمل في الأعيان والمعاني كقوله تعالى {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} [الصافات: ٩٩] وقوله تعالى {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} [هود: ٧٤] وكون المبالغة هنا من إسناد الذهاب إلى الله بمعنى الأخذ والإمساك، وهو القويّ العزيز الذي لا رادّ لما أخذه ولا مرسل لما أمسكه ظاهر أمّ كونه من قبيل أقدمي حق لي

فقد عرفت حاله فتدبر. قوله: (ولذلك عدل عن الضوء إلخ) أي لقصد المبالغة عدل عن الضوء مع أنه مقتض الظاهر المطابق له لقوله أضاءت، وهذا بناء على أنّ الضوء أقوى من النور لقوله تعالى {جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا} [يونس: ٥] والإذهاب والإزالة نفي معنى ونفي الأشد لا يفيد نفي ما دونه بل ربما يشعر بثبوته، وأعترض عليه بأنّ إطلاق النور على الله تعالى دون الضوء ينافيه، وإن كان مجازا بمعنى الهادي، وبأنّ أهل اللغة سوّوا بينهما.

وفي الكشاف: والنار جوهر لطيف مضيء حار محرق، والنور ضوءها وفي الكشف إنّ

فيه توسعا لما سيذكره من أنه أدنى من الضوء لكنه شائع في عرف الاستعمال كما أخذ أصل التفاوت من استعمال البلغاء لا أصل الوضعمن نحو جعل الشمس ضياء إلخ وقولهم أضوأ من الشمس، وأنور من البدو ذكره في الأصاس، والتحقيق أنّ الضوء فرع النور يقع على الشعاع المنبسط لا أنهما واحد كما نقل عن ابن السكيت، ولهذا يقع على الذوات الجوهرية بخلاف الضوء والأبصار بالفعل بمدخلية الضوء فجاءت المبالغة من هذا الوجه، ولهذا كان جعل الشمس سراجا أبلغ من جعل القمر نوراً، فافهم، ولا تلتفت إلى ما نقل من إعتراض صاحب الفلك الدائر ولا إلى جوابه، فقد تبين لك القشر من لبابه، اهـ.

وقال قدس سرّه: إطلاق كل واحد من الضوء والنور على الآخر مشهور فيما بين الجمهور، فلا ينافي الفرق المأخوذ من استعمال البلغاء على ما ذكره ولا المأخوذ من اصطلاح الحكماء وهو أنّ الضوء ما يكون للشيء من ذاته، والنور ما يكون من غيره.

(أقول) ! اذكره قدّس سرّه يقتضي أنّ كلاَ منهما يطلق على ما يطلق عليه الآخر فهما كالمترادفين، والفرق إنما نشأ من الاستعمال أو الإصطلاح لا من أصل الوضعواللغة فكأنه لم يرتض ما في الكشف لأنّ محصله أنّ الضوء أقوى من النور في عرف الاستعمال، والتفاوت بينهما من عرف اللغة والاستعمال، وليس بوضمي فإنهما في أصل الوضع متغايران إذ النور أصل والضوء شعاعه وفرعه، ولذا كان النور يطلق على الذوات المجرّدة دون الضوء والضياء، وأنّ الإبصار لما كان بواسطة الشعاع المنتشر كان بهذا الاعتبار أقوى من النور في المعنى المقصود منه، وهو الإظهار لأن النور هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره، وكأنه لم يرتضه لمخالفته لما تقرر في الحكمة والكلام على ما فصل في شرح المقاصد، إلا أنّ المحققين من أهل اللغة ارتضوه، وقالوا: إنه الموافق لاستعمال العرب العرباء فإنهم يضيفون الضياء للنور، وششدونه له فيقولون ضياء النوو، وأضاء النور كما قال ورقة بن نوفل:

ويظهر في البلاد ضياء نور

وقال العباس رضي الله عنه:

وأنت فماظهرت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق

وهو المذكور في الأساس، وقال العلامة السهيلي في الروض الأنف إنه " هو الحق عند

من يعرف اللغة والاستعمال فقال. بعدما أنثدناه من الشعر، وهذا يوضح لك معنى النور، ومعنى الضياء وأنّ الضياء هو المنتشر عن النور وأنّ النور هو الا صل للضوء ومنه مبدؤه وعنه يصدر وفي التنزيل فلما أضاءت ما حوله وفيه جعل الشمس ضياء والقمر نوراً لأنّ نور القمر لا ينتشر عنه من الضياء ما ينتشر من الشمس لا سيما في طرفي الشهر، وفي الصحيح " الصلاة نور والصبر ضياء " (١ (وذلك أنّ الصلاة هي عمود الإسلام، وهي ذكر وقرآن، وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر فالصبر عن المنكرات، والصبر على الطاعات هو الضياء الصادر عن هذا النور

<<  <  ج: ص:  >  >>