للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نار الفتنة بتهييج الحروب إذ لم يفعلوا ذلك وإنما صدر منهم ما يؤدّي إليه كما مرّ في تفسير قوله تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ} وأمّا الجواب بأنّ المستوقد أعمّ من المنافقين ففيه إنه لا يحسن تشبيه الخاص بالعام إلا أن يراد بالأعم الخاص الآخر المقابل للمشبه.

(أقول) هذا ما في الكشاف، وشروحه ومراده بالتجوّز في النار أنه استعارة تصريحية حيث شبه تهييج الفتن والحروب بإستيقاد النار تشبيه معقول بمحسوس بجامع عقليّ، وهو الإصرار بما يصادفه وأثبت له ما يخصه، وهو الإيقاد ففي الكلام استعارة في تشبيه، وهو من أبلغ ما يكون، وذكر المجاز وإرادة الاستعارة غير مستبعد، ثم إنهم اتفقوا على أن توجيه الإسناد في الكشاف مبني على جعل جملة ذهب جوابا للما والضمير للمستوقد، وانه على الأوّل مجاز في الإسناد لا حقيقة له بناء علىءا قاله عبد القاهر، والشريف لم يعرج على هذا نفيا واثباتا، فكأنه ليس عنده ثلج صدر مته، ووجهه إنه إذا لم يكن فعل الله والريح ونحوه ليس بفاعل مختار وإنما هو سبب عادي لم يكن له فاعل حقيقي، وقد جوّز أهل المعاني مثله وهو كلام حسن، وما ذكره قدس سرّه من تشبيه الخاص بالعام لا وجه له، والمعروف عكسه وهو نوع من التشبيه يسمى التمثيل كما تقول الجمل الفعلية كقام زيد، ولو عكسته كان عبثا، وقد صزح به اً هل المعاني، وأمّا ما ذكره المصنف رحمه الله فالظاهر أنه توجيه للإسناد على الوجوه كلها سواء رجع الضمير إلى المستوقد أو إلى المنافقين، وقوله كريح ومطر إلخ ناظر إلى عوده على المستوقد، وهو مقابل للسبب الخفيّ وما يحصل بأسباب سماوية يسند إلى الله تعالى عادة والسبب الخفيّ يعتبر بحسبه، وهو ناظر إلى عود الضمير للمنافقين كما أشار إليه هنا بعض المتأخرين رحمه الله، فقوله لأنّ الكل بفعل الله بناء على مذهب أهل السنة من أنه الفاعل لكل شيء حسناً كان أو قبيحا ولا قبح فيما صدر عنه سبحانه، وفعل الإطفاء إن كان بدون سبب عاديّ، فهو من الله واسناده إليه حقيقة على هذا، وخفاؤه بالنسبة إلينا لعدم إطلاعنا عليه فإذا كان من أحوال المستوقد المشبه به فهو أمر فرضيّ لغير فاعل معين ترى ناره، ويدري ما يطفئها فأسند إلى الفعال المطلق الذي بيده التصرّف في الأمور كلها، والظاهر أنه حقيقة على هذا أيضا

وأما إذا أطفئت بأمر سماوي كريح هبت بقدرة الله تعالى فهو الفاعل، والريح اكة كالسكين للقاطع، وإذا قصد المبالغة التي سنقرّرها فهو محتمل للحقيقة، والمجاز بناء على تفسير النار فكلام المصنف مخالف لما في الكشاف من وجوه فمن طبقه عليه، وقال في تقريره إنه يشير إلى أنه على تقدير رجوع الضمير للمنافقين حقيقة بلا خفاء، وعلى رجوعه للذي استوقد فلا يخلو من أن يكون حقيقة أو مجازا، وعلى الثاني إمّا أن يعتبر له فاعل حقيقيّ لو أسند إليه كان حقيقة، وقد نقل عنه إلى الفاعل الجازي أولا وعلى الأوّل إمّا أن يكون الفاعل مجهولا أو معلوما فأشار إلى الأوّل بقوله لأنّ الكل إلخ، وإلى الثاني بقوله أو لأنّ الإطفاء حصل بسبب خفيّ، وإلى الثالث بقوله أو أمر سماويّ إلخ وإلى الرابع بقوله أو للمبالغة كأقدمني حق لي عليك فقد ألزمه بما لا يلتزمه وفسر كلامه بما لا يحتمله، وبما عرفت من تفسير السبب الخفيّ عرفت سقوط ما قيل عليه من أنه تعالى لا يخفى عليه شيء إلى آخر ما أطال به من غيرطائل، وقد بقي هنا أمور يضيق عنها نطاق البيان. قوله: (ولذلك عدي الفعل بالباء دون الهمزة إلخ) أي الباء والهمزة للتعدية إلا أنّ الباء لما فيها من معنى الإلصاق والمصاحبة أبلغ من الهمزة، ولذلك عدي بها هنا والفرق بينهما مذهب المبرد وارتضاه كثير من المحققين وفي المثل السائر كل من ذهب بشيء فقد أذهبه، وليس كل من أذهب شيئا ذهب به لأنه يفهم من ذهب به أنه استصحبه معه وأمسكه عن ال- جوع إلى حاله الأولى، وليس كذلك أذهب، وارتضاه أبو حيان، واستدل عليه بأمور مفصلة في محلها ردا وقبولاً، وذهب سيبويه إلى أنهما بمعنى وتبعه أكثر النحاة، واستدل بهذه الآية لأنه تعالى لا يتصف بالذهاب فمعناه أذهبه لا غير، ودفع بأنه مجاز هنا عن شدة الأخذ بحيث لا يرد كما في قولهم ذهب السلطان بماله فإنه مجاز عن المعنى المذكور بذكر الملزوم، وارادة اللازم فإنّ السلطان لم يذهب، ولم يجعل المال ذاهبا وإنما أخذه وأه سكه، فإن قلت هذا الفرق بين تعدية الباء، والهمزة هل هو مخصوص بهذه المادّة أم لا وعلى ك تقدير كيف يقال إنّ المبالغة جاءت من الإلصاق، والمصاحبة وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>