للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رأيت أسداً يرمي رجلاَ شجاعا يرمي وظهر عدم الفرق بينهما فيما يتعلق بالغرض إلاً أنّ سوق هذا لإثبات الرؤية لتلك الذات، وهذا الإدعاء الإتحاد بينهما، وقيل أيضاً إنّ الشجاع في قوله كالرجل الشجاع قيد للمشبه لا جزؤه حتى يكون المشبه مركباً فليس بمناف لقولهم إنّ الشجاعة خاوجة عن الطرفين مع أنّ الحق أنّ الشجاعة ليست قيدا أيضاً لشيء من الطرفين لأنّ المقصود نقل الشجاعة الكاملة من المشبه به إلى المشبه، والظرف متعلق بمضمون الكلام بحسب المآل أي مجترىء كامل، وقى عليه نعم المتبادر من العبارة تعلق الظرف بالمشبه على وجه القيدية بل بالمشبه به على تقدير التشبيه لا الاستعارة.

أقول إذا عرفت أنّ هذه المسئلة مما حققه المتقدمون على اختلاف فيها وأنها من مسائل الكتاب، وكان القول ما قالت حذام، وكان منشأ اختلاف النحاة العمل واختلاف أهل المعاني قصد البليغ عرفت أنّ الحق ما قاله الفاضل المحقق لقوّة أساسه، وسطوع نبراسه، فالنزاع ليس بلفظيّ لابتنائه على ما ذكروه مما يختلف فيه مثل الأسد لفظا بعمله ومعنى بالتجوّز فيه لاستعماله في غير معناه، وما أورده عليه المدقق ليس ليء وإن لاح وروده في النظرة الأولى فقوله إنه عمل باعتبار ما يلزمه من الجراءة مبنى على قول الكسائيّ الضعيف المستبعد عندهم كما عرفته، وقوله إنه إذا كان مستعملاَ في معنى مجترىء صائل كان مستعملاً في لازم معناه فهو مجاز مرسل لا استعارة خيال فارغ، فإنك إذا قلت في زيد أسد إنه مؤوّل بما ذكر، ومعناه رجل مجترىء كالأسد فلا مرية في إنه استعارة لصحة ذلك التشبيه، وترك المشبه فيه بالكلية وإنما لئم تذكر الرجل اعتمادا على إشتهار الجراءة والصولة في صفات العقلاء، وفي بعض كتب اللغة ما يقتضي أنه حقيقتها، وقوله زيد شجاع ليس نظيرا لما ذكره بل نظيره زيدى رجل شجاع كالأسد، وقوله المجموع ليس مشبها بالأسد غير مسلم ولا يلزمه التركيب مع التعبير عنه بالأسد، وقوله إنّ الشجاعة خارجة عن الطرفين إتفاقا ليت شعري من أين جاء هذا الإتفاق فعلى هذا قد شبهت الرجل الشجاع بالأسد في شدة بطشه، واهلاك مقاتلة وإن كثر، ثم إنّ قوله قد يلاحظ ما يلزم معناه الحقيقي من الجراءة إلخ مع أنه لا طائل تحته مناقض لما قبله فإنه إذا كان مستعملاَ في معناه الحقيقي كيف يجوز استعماله في لازم معناه إلاً أن يريد أنه كناية حينئذ، وهو مع تكلفه مبنيّ على القول الضعيفبهما مرّ.

واعلم بعدما ارتفع الغين، عن العين ووضح الصبح لذي عينين، أنّ ما ذكره قدس سره

من البحث الذي استصعبه حتى جعل الأسنة له مركبا، وسلمه له من مشى خلفه ليس بوارد أيضاً، وما أفسده فيه اً كثر مما أصلحه، وحسن ظننا بالسلف أنا لا نقول به لأنه ناشىء من عدم

إعمال النظر في مطاوي كلامهم لأنّ هم المقدّر راجع للمنافقين السابق حالهم وصفاتهم وتشهيرهم بها حتى صاروا مثلاً فكأنه قيل هؤلاء المتصفون بما ترى صم إلخ على أنّ المستعار له ما تضمنه الضمير الذي جعل عبارة عن المتصفين بما مرّ والمستعار ما تضمن الصمم وأخويه من قوله صمّ إلخ فقد انكشف الغطاء من الطرفين، وليس هذا بابعد مما مرّ في قولهم إمتطى الجهل، وبهذا إضمحلت الشبهة من غير حاجة إلى ما ذكر من التعسفات، وأمّا ما ذكر آنفا مما أورده عليه البعض من قوله إن أراد بكون الشجاعة خارجة إلخ فمعلوم أنه لا طائل تحته، وقوله إنّ الشجاعة داخلة في الطرفين، من حيث التشبيه لا وجه له لأنه على مدعاه من أنّ الطرفين زيد والأسد كيف يكون هذا، وهو خارح عنهما وإن كان لازماًاطما، ولو لم يكن هذا مع إرخائه العنان في مجاراة الخصم كان غير صحيح أيضا، وكذا ما قيل من أنّ الشجاع قيد للمشبه لما قدمناه لك فلا تكن من الغافلين، وإنما سحبنا أذيال البيان لما في هذا المقام، من العقد التي لم تحلها أسنان الأقلام، ففي الزوايا خبايا، وفي الرجال بقايا. قوله: (هذا) أي الأمر هذا أوخذ من هذا أوها اسم فعل بمعنى خذ وذا مفعوله، وهذا وان استغنى عن التقدير بعيد مع مخالفته الرسم، والإشارة إلى التفسير المذكور بقوله لما سدّوا مسامعهم إلخ، وقوله إذا جعلت الضمير إلخ المراد بالضمير المقدر هنا مبتدأ وهو هم صم إلخ لا هو والضمير في قوله بنورهم كما توفم لبعده لفظا، ومعنى لأنه قد فرغ عنه فعلى هذا تكون هذه محصل ما سبق واجماله لأنه تمثيل لحالهم، وهو عبارة عن جميع ما مز من أحوالهم السابقة، وقد علم من قوله

<<  <  ج: ص:  >  >>