للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا يشعرون ولا يبصرون أنهم صمّ عمي ومن كونهم يكذبون أنهم لا ينطقون بالحق فهم كالبكم، ومن كونهم غير مهتدين أنهم لا يرجعون ووجه الترتيب ما مرّ فلا يرد عليه ما قيل من أنّ التمثيل إنما فيه عدم الإبصار، وأمّا الصمم والبكم فلا حتى يجاب بأنه مثلت حالهم في التحير بالمستوقد فأفاد تحيرهم في المحسوس، والمعقول ولم يذكر سفههم وكونهم عن العقل بمعزل لأنه مفروغ عنه، وهذا نظير الختم على السمع والبصر المستلزم للختم على اللسان في قصة الكفار، وسقط أيضاً ما قيل إنه يرد عليه أنّ نتيجة التمثيل كونهم عميا لا غير وأنه على تقدير صحته المناسب تقديم العمى، وقوله فذلكة التمثيل ونتيجته قيل عطف النتيجة على الفذلكة تفسيريّ، والظاهر أنّ بينهما مغايرة إعتبارية فإن كان إجمالاً لما قبله فهو فذلكة وان كان ما قبله منساقاً إليه ومستلزما له فهو نتيجة له، ولذا قدره بعضهم بقوله فهم صم إلخ، والحاصل أنّ حالهم المضروب له المثل وسعيهم الخاسر أدّأهم إلى فقد الحواس، والقوى ووقوعهم في قفار لا يرجع من ضل فيها والفذلكة عبارة عن إجمال الأمور مأخوذة من قول الحاسب بعدما يملي مفردأت ما يحسبه فجملة ذلك كذا فركب هذا اللفظ من بعض حروفه، ويسمى هذا عند الأدباء نحتاً بالنون كقوله حوقلة، وبسملة وهو مقصور على السماع، وهذه اللفظة لم تسمع من فصحاء العراب الذين يحتج بكلامهم، وإنما أحدثها المولدون كما قال المتنبي:

نسقوا لنا نسق الخساب مقدما وأتى فذالك إذ أتيت مؤخرا

وأعلم أنّ الجملة الواقعة موقع النتيجة وردت بالفاء ودونها في كلام الفصحاء فالأوّل

كقوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ليلة وأتممناها بعشر فتتم ميقات ربه أرشين ليلة} [الأعراف: ١٤٢] والثاني كقوله {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} الحني وسبعة إذا زتجنتم تلك عَشرّة كاملة} [البقرة: ١٩٦، لأنّ إستلزام ما قبله له أو تضمنه له بالقوّة منزل منزلة المتحد معه فيقتضي ترك العطف، ومغايرتها لما قبلها وترتبها عليه ترتب النتاج، والفرع على أصله يقتضي اقترانها بالفاء، وهذا هو المعروف في الاستعمال، وهي بدونها مستأنفة أو حالية،. وعلى الأوّل لا محل لها فمن قال: إنها لا تكون إلا مع الفاء وهي بدونها لا يدري من أيّ أنواع الجمل هي فقد قصر فيما قدر. قوله: (وإن جعلته للمستوقدين إلخ) أي! إذا جعلت هذا من تتمة التمثيل على أنه داخل فيه لا حاجة إلى اعتبار التجوّز فيما ذكر إذ لا مانع من الحقيقة، وهي الأصل فلا يعدل عنه بدون مقتض يقتضيه، والتمثيل لا يقتضي تحقق الممثل به في الخارج بل يكفي فرضه وان امتغ عادة كما في قوله:

اعلام ياقوت نشرن على رماح من. زبرجد

فلا يرد عليه ما قيل من أنه من المعلوم أنّ من إنطفأت ناره ووقع في ظلمة شديدة مطبقة لا يحصل له صمم ولا بكم ولا عمى، فالظاهر أنها مجازات لا حقائق وأنّ هذا الوجه بعيد، ولذا لم يلتفس! له في الكشاف وشروحه وجعلوه من أحوال المنافقين سواء كان ذهب جوابا أم لا، ولا حاجة إلى الجواب عنه فإنّ من وقع في ظلمات مخوفة هائلة ربما أذاه ذلك إلى الموت فضلاً عن فقد الحواس ألا ترى أنّ من حبس زماناً في مطمورة مظلمة قد يذهب بصره، ويبتلى بأمراض حارّة يعتقل بها لسانه، والذي دعى المصنف إلى اعتبار هذا قراءة النصب فإنها تعينه على الجوابية، وأخره إشارة إلى أنه مرجوح عند. فلا غبار عليه حتى ينقض. قوله: (بحيث اختلت حواسهم وانتقضت قواهم) هذا كعبارة الزمخشرفي السابقة وقد مرّ تفسيرها وبيان القوى فيها والإنتقاض إفتعال من النقض بمعنى الهدم أو الحل فهو استعارة يقال نقضت البناء نقضا إذا هدمته، والنقض بكسر النون وضمها ا! منقوض من البناء ونقضت الحبل إذا فككت ما فتل منه، ومنه يقال نقض ما أبرمه إذا أبطله فانتقض هو بنفسه، وقوله بالنصب على الحال هو أحد الوجوه فيه، وقد جوّز أن يكون ثاني مفعولي ترك بناء على جواز تعديته لمفعولين وعلى تعدد ما هو خبر في الأصل أو منصوبا على الذمّ، وأصل الصمم الصلابة الحاصلة من إكتناز الأجزاء أي اجتماعها

الصوت بتموّجه، والبكم الخرس، والعمى عدم البصو عما من شأنه أن يبصر، وقد يقال لعدم البصيرة {؟ قهغ لا تزبلون} لا يعودون إلى الهدى الذي باعوه، وضيعوه أو عن الضلالة التي اشتروها، أو فهم متحيرون لا يدرون أيتقدّمون أم يتأخرون، والى حيث ابتدؤا منه كيف يرجعون، والفاء للدلالة على إنّ اتصافهم بالأحكام السابقة سبب لتحيرهم،

وتداخلها، ومنه الكنز والقناة الرمح وتوصف بأنها صماء لصلابتها ولذا تظرّف القائل:

<<  <  ج: ص:  >  >>